جمال عبد الناصر، لا أحد بالطبع يستطيع أن ينكر مدى السوء الذي كان في عصره و الذي ظُلم بسببه الكثيرون و منهم الإخوان بالطبع، لكن كما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم : "لا تمنعك مساوئ امرئ عن ذكر محاسنه" و كان لجمال عبد الناصر محاسن كثيرة كما كانت له مساوئ كثيرة و لا يستطيع أحد أن ينكر سواء أكان كارها أو محبا له أنه الحاكم المصري الوحيد الذي تمتع بحب غالبية الشعب المصري الذي انقسم بعد أن اكتشف عيوب نظامه بعد أن مُنيَ بالهزيمة في الحرب فمنهم من اعترف بذلك و لم يستطع أن يكره الرجل و منهم من كرهه و منهم من لم يعترف.
و قد حاول الرجل فعلا إصلاح ما فسد فحدثت حرب الاستنزاف بعد قليل من حرب الهزيمة و حاول الكثير؛ الذي أكمله من بعده محمد أنور السادات.
ما أجده في الإخوان أنهم فعلوا مثلما فعل الضباط الأحرار مع الفارق في أن الإخوان شاركوا في الثورة و لم يكونوا هم الذين قاموا بها فقد كانت ثورة الشعب الغير مُسيس و الغير منتمِ لأي تيار كان، أما بالنسبة للضباط الأحرار فكانوا هم الذين قاموا بانقلاب على الحكم و عزل الملك و أيدهم الشعب في ذلك و لأنهم لم يستطيعوا وضع أحدهم في البداية فقد وضعوا محمد نجيب الذي كان مجرد واجهة لهم و عندما أُتيحت لهم الفرصة خلعوه و وضعوا أحدهم مكانه و المشكلة هنا أنه لم يكن وحده الذي يحكم بل كان مجلس قيادة الثورة بأكمله.
و إذا أتينا للإخوان سنجد أنهم فعلوا شيئا مشابها؛ لم يستطيعوا وضع خيرت الشاطر فوضعوا بدلا منه محمد مرسي و كنت أرى حتى من قبل أن يحكم بأنه لن يكون هو الحاكم الفعلي لمصر بل مكتب الإرشاد الأسوأ هنا إنني لا أجده هو يحكم أصلا أو يدير دفة البلاد فلم أجد للرجل فكرا مستقلا به فقد دخل بنفس المشروع الذي دخل به صديقه مرددا نفس الكلام الذي يقوله و لم أستطع كأسرتي أن أختاره لأنني لم أقتنع به كفكر مستقل، كذلك لم أستطع أيضا أن أختار خصمه.
و أنا هنا سأقول رأيا في مسألة الحكم؛ سأضرب مثلا في البداية: عندما خلق الله أبانا آدم كان يجب أن يضع في نفسه حب الحياة و كراهية الموت الَذَيْن ورثناهما عنه كأبنائه و هذا ببساطة لأن المطلوب منه و من نسله أن يعمروا الأرض فكيف سيفعلون ذلك و هم يكرهون الحياة و يشتاقون للموت ؟
و هذا ذاته في الحكم كيف سيحكم الحاكم و يدير أمور البلاد و هو لا يريد ذلك و لا يرغب فيه ؟! مستثنى من ذلك بالطبع الصحابة رضوان الله عليهم اللذين لا يصل لمكانتهم أحد أبدا و هذا يرجعنا إلى سياق حديثنا الأول؛ بالطبع الإخوان يسعون للحكم و يرغبون فيه بشدة و هذا ما جعلهم يرتكبون الخطأ الذي وقعوا فيه وهو التعجل فلما رأوا الفرصة أمامهم متاحة سعوا لاقتناصها فورا مع أنهم من المفروض أن يعلموا أن قطاعا كبيرا من الشعب يكرههم و لا يرغب فيهم فلو كانوا قد تمهلوا قليلا و سعوا إلى التوافق الوطني و إلى مساندة شخص يجدون أن قطاعا كبيرا من الشعب لا يجد فيه كراهية و قاموا بتنفيذ ما يجعل الشعب يحبهم و يقدرهم ثم بعد ذلك يقومون بترشيح أحدهم سيقتنص أصوات الناس جُلهم و ليس بفارق ضعيف و بعصر الليمون حتى لا يأتي شفيق إلى الحكم.
لذلك عندما بدأوا الحكم وقعوا في العديد من الغلطات فقد بدأوا مع عدم تقبل العديدين لهم و الذين شعروا بأنهم قد أُكرهوا على وجودهم في الحكم، كما كانوا هم أيضا حديثي العهد بهذا فلم يحكموا بلدا من قبل و لم يعوا أن سياسة الدولة تختلف عن سياسة الحزب تختلف عن سياسة الجماعة تختلف عن سياسة المؤسسة و هذا ما جعل نظام مبارك مع مساوئه يستمر كل هذه السنين أنه كان يعرف كيف يحكم البلاد بما يحقق مصالحه إلى أن وقع في الأخطاء الأخيرة التي جعلت الناس لم تحتمل أكثر فقاموا بثورة ضده و خلعوه.
أسوأ ما أجده في الإخوان إنني لا أجد لشخص منهم فكرا معارضا لأحد منهم او اختلاف في الرأي أو أن يقول أحدهم للآخر إنك مخطئ في كذا و كذا فلم أجد مثلا إخوانيا عارض مرسي في أي قرار اتخذه فقد هللوا له عندما أصدر قرارا و هللوا له عندما ألغى نفس القرار كذلك تبرير الأمور التي لو فعلها شخص آخر لقامت عليه الدنيا و لم تقعد و موضوع الشيعة ليس ببعيد لو تخيلنا أن خالد علي هو الذي أمسك بمقاليد الحكم و استقبل نجادي بالأحضان و القبلات و أدخله البلاد فماذا كان سيفعل الإخوان عندها ؟ لو أنه قد بعث لحاكم إسرائيل مخاطبا إياه بصديقي الوفي هل كان الإخوان سيقولون إنه خطاب عادي يُبعث لكل حكام الدول ؟ مع أن الله قد علمنا أنه لا يعز عليه أحد و قد ضرب بهذا مثلا عندما عاتب نبيه الكريم عليه الصلاة و السلام عندما أعرض عن عبد الله بن مكتوم لم يعاتبه بينه و بين نفسه بل أنزل سورة كاملة في القرآن الكريم تلوناها و سنتلوها حتى يوم القيامة و عندما نلقى الله أيضا ستظل معنا كجزء من كتابنا المقدس.
و ماذا عن موضوع الصداقة التي نشأت مع السلفيين الذين كانوا من أشد أعداء الإخوان بل إنهم كانوا يكفّرون الإخوان فما سر هذه الصداقة التي نشأت فجأة ؟
لا أحد ينكر الاضطهاد و التعذيب الذي حدث للإخوان و الثمن الفادح الذي دفعوه على مر العصور منذ نشأتهم و لكن هذا لن يجعلنا ننكر عيوبهم و أخطاءهم و طمعهم في الحكم و خيرات البلاد.
هم بشر مثلنا و ليسوا ـ مثلنا جميعا ـ أشباه صحابة و لا أنبياء و لا يرقوا لهذه المنزلة العظيمة لو كانوا صبروا قليلا و أعدوا أنفسهم كانوا من الممكن أن يحصلوا على ما يريدون لكني أراهم الآن في الطريق لخسران كل شيء كما سيخسرون تعاطف الناس الذي كان معهم من جرّاء ما حدث لهم من اضطهاد و تعذيب على مر الزمان.