"قيل بأن تأثيرا بسيطا كرفرفة جناح فراشة يمكن أن يسبب دمارا في أقصى أنحاء العالم"
بهذه الجملة يتم افتتاح الفيلم الأمريكي تأثير الفراشة أو بالإنكليزية The Butterfly Effect يعد هذا الفيلم من الأفلام التي تتميز بصعوبة الفكرة التي يطرحها و عدم وضوحها للكثيرين.
كنت منذ زمن أفكر في كتابة مقال عن هذا الفيلم الرائع نظرا لملاحظتي أن الكثيرين لم يستطيعوا فهمه و استيعابه و ربما أيضا لأن فكرته قد استهوتني بشدة.
لن أقوم هنا بعرض قصة الفيلم و مناقشتها بل سأتحدث عن النظرية نفسها من خلال فهمي الشخصي لها؛
أنت الآن تذهب إلى بيتك بعد عودتك من العمل تشعر ببعض التعب لكنك لا تحبذ فكرة أن تستقل إحدى وسائل المواصلات بل تحب أن تسير حتى بيتك نظرا لأن المسافة بين العمل و البيت ليس ببعيدة و لأنك تحب أن تنشط جسمك قليلا بعد الجلوس لعدة ساعات متواصلة أمام حاسوبك بلا حِراك حاولت ذلك بالفعل لكنك لم تستطع أن تسير اليوم فاستقليت إحدى وسائل المواصلات كان السائق أحمق بما يكفي لكي يقوم بعمل حادثة فتنكسر ساقاك و توضع في الجبس لشهور عديدة.
عندما تفكر بينك و بين نفسك تقول لو لم أستقل المواصلة و مشيت كما أفعل كل يوم ما حدثت لي هذه الحادثة و ما كٌسرت ساقاي و ما وضعا في الجبس لشهور عديدة أي أن بسبب تأثير فعل بسيط قمت به حدثت لك عدة أشياء كارثية.
أنت الآن في بيتك تشعر بوعكة صحية شديدة فتفضل عدم الذهاب إلى العمل لكنك في اللحظة الأخيرة تتحامل على نفسك و تذهب، بعد عودتك من العمل تجد أن البيت الذي تسكن فيه قد أصبح أنقاضا و مات جميع السكان، لو كنت قد آثرت المكوث في البيت لكنت مت معهم.
هذان المثالان يوضحان المعنى المراد من النظرية الفعل البسيط من الممكن أن يؤدي إلى أشياء كارثية أو النجاة منها لكن ماذا لو امتلك الإنسان المقدرة على العودة إلى اللحظة الفارقة في حياته لتغيير حدث معين هل هذا سيؤدي إلى تغيير الحاضر و المستقبل أيضا ؟
لكن ما هو المقصود باللحظة الفارقة ؟
الحياة تتميز بالرتابة بصورة عامة ليس في كل ثانية من حياتك تتخذ قرارا من الممكن أن تعتمد عليه حياتك بعد ذلك، قرارك في الذهاب إلى العمل هو لحظة فارقة فلو كنت قمت بعمل العكس لكنت الآن في عداد الأموات و لم تكن ستتزوج و تنجب أطفالا و تستمر في عملك أي أن هذا القرار في هذه اللحظة قد اعتمد عليه ما يحدث في الحاضر و ما سيحدث في المستقبل.
أنت قد مُنحت هبة مميزة تستطيع بها العودة إلى لحظاتك الفارقة و تغييرها و ذلك يتم عن طريق النظر إلى مذكرة أو صورة أو شريط مسجل يعرض وقت هذه اللحظة، أنت الآن قد عدت إلى اللحظة التي خرجت فيها من عملك و تعرف جيدا أنك لو استقليت المواصلات سيقوم السائق بعمل حادثة فتنكسر ساقاك و توضع في الجبس لشهور عديدة، لذلك فقد قررت أن تسير إلى البيت فلم يحدث لك شيء.
بالطبع هذا أمر جيد فلن تُضطر إلى المكوث في البيت بلا حراك و الابتعاد عن وظيفتك لعدة شهور لكن عندما ذهبت إلى عملك في اليوم التالي حدث حريق في مبنى الشركة التي تعمل فيها فمت معذبا محترقا.
لو لم تكن تدخلت في تغيير الحدث، كنت ستظل حيا ترزق حتى هذه اللحظة كانت ستنتهي شهور الجبس و المعاناة لتعود طبيعيا مرة أخرى.
كل لحظة فارقة في حياتنا نتخذ فيها قرارا معينا يُبنى عليه ما سيكون مستقبلنا و حياتنا عليه لكن بالفعل كلنا نتمنى في كثير من الأوقات لو عاد بنا الزمن لنغيّر قرارات حدثت بسببها أحداث كارثية نود أنها لم تحدث لكن،
هل سيعد هذا تحديا للقضاء و القدر أم أن القضاء و القدر سيكونان أفضل لو تحكمنا فيهما بأنفسنا و مارسنا أدوار الآلهة في تحديد و تقرير مصائرنا ؟