كان يشعر بأن الظلام يأتي من كل شيء حوله، لا يستطيع أن يحدد إذا كان من داخله أم أن خارجه هو المظلم. بدأ يفتح عينيه في صعوبة ليرى صورا مهزوزة لأشخاص عديدين يحيطون به، سمع صوتا يقول: "لقد أفاق أخيرا". التفت إلى مصدر الصوت و حاول جاهدا أن ينظر إليه، رؤيته مشوشة، لا يستطيع أن يرى جيدا، لكن هناك شيئا غريبا في ملامح هذا الرجل، شيئا لا يستطيع أن يحدده بسبب الغيبوبة التي أفاق منها توا. قال صوت آخر: "هل تذكر ما حدث لك ؟".
حاول الرجل أن يتكلم إلا أن حلقه الجاف منعه من الاستطراد في الكلام، ناوله أحدهم كوبا من الماء و قال له "لا تشرب مرة واحدة"، كان يشعر بطعم مالح في حلقه يزيد من عطشه، قام بارتشاف رشفة تلو رشفة من كوب الماء حتى ارتوى. "هل تستطيع الحديث الآن ؟" رد بصوت مجهد : "نعم، لقد كنت في بعثة علمية تزور منطقة مثلث برمودا في المحيط الأطلسي لعمل أبحاث عن الهرمين اللذين تم اكتشافهما مؤخرا، إلا إنه قد حدثت عاصفة عاتية قامت بتدمير السفينة التي كنت فيها مع فريقي بأكملها، ثم سقطت في البحر و ابتلعتني دوامة و ظننت أنني هالك لا محالة و فقدت وعيي ثم أفقت لأجد نفسي معكم، هل استقبلتم نداء النجدة الذي أرسلناه، لقد حاولنا لكن الإرسال قد انقطع و ظننا أنكم لم تستقبلوه، هل نجا أحد آخر من الفريق ؟" رد أحد الرجال: "لم نجد أحدا سواك، هل تشعر بأن هناك شيء غريب من حولك بعد أن أفقت ؟" "نعم، لكني أعتقد أن هذا بسبب الإجهاد و الغيبوبة التي كنت فيها". "هذا لأنك لم تسترد وعيك بصورة كاملة بعد". أغمض الرجل عينيه لبرهة ثم فتحهما، ليتأمل الرجال من حوله، أشكالهم عادية، لكن فيها شيء غريب لا يستطيع أن يحدده. رد قائلا: "هناك شيء غريب فيكم، لكن ما هو لا أستطيع أن أعرف". "نحن استطعنا أن نعرف ذلك بعد فحصك، دقق النظر ستجد أننا معكوسون بالنسبة إليك !" اتسعت عينا الرجل دهشة و رد قائلا: "هذا صحيح، يا إلهي ! ما الذي يعنيه هذا ؟!" رد عليه قائلا: "يعني أنك لست من عالمنا يا رجل، أنت الدليل الذي كنا ننتظره منذ زمن لإثبات وجود العالم المتوازي!".
***********************************
المجهول دوما يحمل معه الخيال، لأنك لا تستطيع أن تعرف؛ فإنك تفكر، و فكرك هذا سيحمل بلا شك بعضا من الخيال الذي سيشطح بك لأفكار قد تبدو غريبة للكثيرين، ربما يثبت العلم و المنطق بعد ذلك أنها حقائق، لكن عندما لا يتم إثباتها أو نفيها تبقى دوما دليلا على إمكانيات العقل البشري الذي لا يعرف حدودا و لا منطق و لا مسلمات.
ما قرأتموه بالأعلى هو إحدى الأفكار التي امتلأت بها عشرات القصص الخيالية عن مثلث برمودا بعد صدور حكايات عن اختفاءات غامضة حدثت فيه؛ فتارة نسمع عن سفينة اختفت بطاقمها بأكمله بدون أن تترك شظية واحدة أو أشلاء تدل عما حدث لها، فقط اختفت بدون أدنى أثر، عواصف عاتية لا يوجد لها تفسير منطقي، تدمر كل ما يوجد في طريقها، اكتشافات غريبة في قاع البحر، هرمان يبلغان ثلاثة أضعاف حجم هرم خوفو، مصنوعان من مادة لا يُعرف بعد ما هي، من بناهما ؟ كيف أتيا إلى قاع البحر ؟ لا أحد يعرف !
و بناء على هذا قام العلماء بأبحاثهم، و قام أصحاب الخيال بشطحاتهم، هنا لا يهمني أن أتحدث عن تفسيرات العلماء فسأتركها لرجالها، بل سأتحدث عن التفسيرات الخيالية التي كانت فيها إبداعات.
عند حدوث أمور سلبية و حوادث و كوارث يذهب تفكيرنا إلى الشر على الفور، و رأس هذا الشر هو الشيطان؛ فهذا المكان هو بيت الشيطان في الأرض و لذلك كل من يقترب منه هو في واقع الأمر يقوم بالاعتداء على ممتلكات الشيطان و يدنس بيته، و لهذا تحدث هذه الكوارث و الاختفاءات التي ليس لها أدنى أثر؛ فكل شيء يذهب به الشيطان إلى الجحيم على الفور لكي يعاقب كل من سولت له نفسه الاقتراب من مكمنه حتى يكون عبرة لمن يعتبر.
أحد التفسيرات الأخرى ذهبت بأن هذه المنطقة هي بوابة لعالم آخر، عالم تماما كعالمنا فيه بشر مثلنا لكنه عالم موازٍ لنا؛ أي إنك ستجد نفسك هناك و ربما بشخصية مختلفة عن شخصيتك و بزوجة غير زوجتك، فالعالمان لن يظلا متوازيين على الدوام بل عند حدوث أمر ما أو تحديد قرار معين سيختلف العالم عن الآخر؛ فربما لن تجد في العالم الآخر هتلر قام بمذبحة المحرقة، لن تجد أن أمريكا هي أقوى دولة في العالم؛ فشيء بسيط واحد من شأنه أن يغير تماما شخصيات و أحداث هذا العالم، لكن لأنه متوازٍ فلن يكون مثل عالمنا بل سيكون معكوسا في شكله، فاليمين هناك شمال و الشمال يمين، هذا الشخص لا يأكل بيده اليسرى فهذه يده اليمنى، هي اليسرى بالنسبة إليك لأنك معكوس بالنسبة إليه.
ليس كل ما تم حكيه من حوادث و كوارث عن مثلث برمودا حقيقية، فقد ثبت أن الكثير منها مزيفة، لكن هل سيجعل هذا الخيال يتوقف ؟ هل سيجعل رعب الكثيرين منه يذوي ؟ بالطبع لا، فكفر البعض بوجود الشيطان لا يعني أنه غير موجود، فوجوده حقيقة كما هي حقيقة الموت و الدم المسال من صنيعه و صنيع أتباعه من البشر.
سأكون حُلُماً من أحلامي
تعليقان (2)
صالح القرنشاوي
4 يونيو 2014 في 12:25 م
حميل يا أحمد .ز فلولا الخيال العلمي لما توصلت البشرية إلى ما نحن فيه من تقدم .. ودائما الخيال لا حدود له .. تمنياتي لك بالتوفيق