نظرا لخروجي في مهمة عمل؛ لم أجد وقتا للراحة و لا حتى لأداء الصلاة، إن أسرعت قليلا سأتم المهمة التي كُلفت بها من قبل رؤسائي و ألحق الإفطار في موعده، لا بأس إن صليت اليوم الصلوات الثلاث معا، لا شك أن الله سيغفر لي فأنا مضطر.
كنت أسير بالسيارة على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، هذه المنطقة تتوقف السيارات فيها قليلا نظرا للإصلاحات التي بدأت منذ مدة طويلة و لم تنتهِ بعد.
كان هناك بعض الباعة الذين ينادون على بضاعتهم، و أثناء توقف السيارات كنت أنظر حولي لكي أسلي نفسي قليلا، الجوع و العطش سيقضيان عليّ، حاولت مرارا أن أرطب حلقي قليلا ببلع ريقي لكنه جف من شدة الحر، لم أستطع أن أتناول وجبة السحور جيدا بالأمس.
استغفرت الله و استعذت به من الشيطان، ثم توقفت لحظة و سألت نفسي مندهشا: "الشياطين تُصفد في رمضان فممن أستعيذ ؟!".
نزلت من السيارة؛ ربما أشتري شيئا من البائع الذي أراه أمامي؛ النعناع يبدو جيدا و رائحته جذابة إنه نعناع مطروح المميز بلا شك، طلبت من البائع أن يعبئ لي بعضه و سألني إن كنت أرغب في شيء آخر، وجدت بطيخا كبير الحجم فسألته عن واحدة ففتحها لي و أخرج مخروطا فظهر قلب البطيخة أحمر و شهيا؛ فأخذتها منه و عدت مرة أخرى إلى سيارتي.
بدأ الطريق يتحرك من جديد فبدأت في تحريك سيارتي و من ثم انطلقت بها، لم أستطع أن أبعد ناظريّ عن البطيخة التي يظهر ما بداخلها، عطشي و جوعي قد بلغا بي مبلغهما، خاصة بعد الجهد الذي قمت به منذ صباح اليوم.
ما هذه الوساوس التي تملأ رأسي ؟! لماذا أشعر بالرغبة الشديدة في أن ألتقط قطعة البطيخة و أضعها في فمي ؟!
توقفت قليلا بسيارتي و أغمضت عينيّ و دعوت الله أن يثبتني و يبعد هذه الوساوس عن رأسي، جاءتني فكرة؛ فتحت الحقيبة التي تحتوي النعناع و وضعت البطيخة فوقها، أغلقتها جيدا و وضعتها بجانبي مرة أخرى.
الطريق ليس مستويا، السيارة تتأرجح مني، متى سيصلحون هذا الطريق ؟! نظرت إلى الحقيبة التي تحتوي على النعناع و البطيخ؛ الرائحة اختلطت و صنعت مزيجا يسيل له اللعاب، توقفت بسيارتي؛ لم أعد أحتمل أكثر من هذا.
دخلت إلى بيتي قبيل آذان المغرب بدقائق معدودة، استقبلتني زوجتي بالترحاب، كنت أحمل في يدي حقيبة البطيخ و النعناع، تناولتها مني مبتسمة في هدوء، قامت بفتحها، ثم نظرت إليّ قائلة: "لقد اختلط البطيخ بالنعناع"!