الأوضاع في مصر تثير العصبية و الاشمئزاز في كافة النواحي، و لا يبدو أن هناك أمل في أي شيء يحدث في مصر؛ قامت ثورة فأطاحت بنظام مبارك المغضوب عليه فحدثت الفوضى ثم بقيت آثارها مستمرة؛ لم يفلح أي نظام في أن يرتقي بأصغر شيء في البلاد.
منظومة التعليم عندنا في مصر متدنية؛ المواد نفسها و طريقة التدريس لا يمكن الاستفادة من ورائها بشيء و مع ذلك يسعى المتفوقون إلى الالتزام بها أملا في الحصول على تعليم أكثر رقيا فيما بعد من مؤسسات أكثر احتراما و تقديرا لقيمة التعليم.
جالت بخاطري العديد من الأمور عندما سمعت بما حدث للطالبة مريم ملاك ذكري؛ الطالبة المتفوقة التي كانت تنقصها درجات معدودات في مجموعها ففوجئت في السنة التالية بحصولها على نسبة صفر بالمائة في نتيجة الثانوية العامة ؟!
تذكرت عندما كنت طفلا صغير بواقعة حدثت مع شقيقي الأصغر عندما حصل على مجموعه في امتحان الشهادة الابتدائية و فوجئ بدرجة في مادة الحساب بالتحديد مستحيل أن تكون درجته الحقيقية.
و لأن أمي كانت تعمل و مازالت حتى هذه اللحظة في النظام التعليمي، قامت بالذهاب إلى المدرسة بطريقة ودية بعد إصرار شقيقي على استحالة حصوله على هذا المجموع فرأت ورقة الإجابة و أكدت على أن هذا ليس خط شقيقي لكي يقول لها أحد معارفها بأنها يجب عليها الاستسلام لأنها لن تصل إلى شيء في النهاية ؟!
شاهدت الطالبة الصغيرة و هي تبكي بحرقة و شقيقها و هو يستشيط غضبا، شاركته في شعوره، كيف يمكن لهذه الطالبة التي سهرت و كدت و تعبت في الاستذكار أن تفاجئ بهذا ؟! هل هذه نهاية ثمرة تعبها و سهرها طوال الليالي حتى تصبح من الأوائل و المتفوقات ؟! و بشيء لا يمكن أن يمت بصلة لأي عقل و منطق ؟!
هل وصلنا إلى هذا الحد من الاستهتار و الالمبالاة ؟! المسؤول يتحدث بطريقة مستفزة - كعادة المسؤولين في بلادنا - يظهر اضطرابه و توتره في كلماته التي تبتعد عن المنطق و العقلانية و التي لا يمكن أن يصدقها أحد.
في بلادنا تحدث المصائب طيلة الوقت؛ الشباب بعد أن يتخرجوا من الجامعات لا يجدون وظيفة و إن وجدوا تكون وظيفة تحطم آمالهم و طموحاتهم، لكن مريم تحطمت آمالها و طموحاتها و هي مازالت صغيرة؛ فبدلا من أن تجني ثمرة تعبها، جنت أبشع ما يمكن لأحد أن يحصل عليه ألا و هو سرقة تعبها و مجهودها.
أنا واحد من الذين لا يعرفون مريم و لا أحدا من أفراد أسرتها لكن الظلم قد خنقني، الظلم الذي قاسيته و مازلت أقاسيه في حياتي كواحد من شباب مصر المهمشين، ذكرتني مريم بحالي و حال بقية أبناء هذا الشعب.
هل ضاع حق مريم ؟ هل سيهتم أحد بتعريفنا بما حدث ؟ مَن مِن أوائل الثانوية العامة الذي حصل على مجهود مريم و تعبها ؟ هل ينتمي لأحد من المسؤولين أم إنه قد دفع مبلغا و قدره ؟ نريد إجابات لهذه الأسئلة لأن ضياع حق مريم معناه أنه لن يحصل شخص على حقه.
هل أتزوج و أنجب و أطلب من أطفالي أن يستذكروا و يجتهدوا و يتفوقوا لكي يأتي في نهاية المطاف من يحصل على ثمرة تعبهم جاهزة لأنه قد دفع الثمن أم أهتم بمعرفة كيف أسرق تعب و مجهودات الآخرين لأن هذا أجدى نفعا ؟