السفر عبر الزمن: الآن أو اللحظة الحالية !


بعد انتهاء التمرين الرياضي، كنت في حاجة إلى تناول طبق من سلاطة الخضروات، فذهبت إلى ذلك المطعم الشهير و طلبتها مع مشروب و أثناء انتظاري لاستلام الطلب رأيت فتاة لفت جمالها نظري، كانت تتحدث مع فتاة صغيرة أمامها و تأكل شطيرة تمسكها بيديها، كانت سمراء ينسدل شعرها ناعما، كانت تضع الكثير من مستحضرات التجميل و هذا في الواقع أمر أكرهه في المرأة، لكن شيئا في هذه الفتاة قد جذبني بشدة، استلمت الطلب و أنا أتساءل بيني و بين نفسي: هل هي والدة الفتاة الصغيرة أم أختها ؟ مررت بجانبها فنظرت إلى أصابع يديها لم أجد دبلة فيها، ليس هذا دليلا على شيء، جلست على المنضدة و نظرت ناحيتها فوجدتها تنظر ناحيتي هي الأخرى و حينما التقت نظراتنا ابتعد كل منا بعينيه بسرعة.


انهيت وجبتي ثم نظرت ناحيتها فحدث ذات الأمر، هل كانت تنتظر مني أن أبدأ الحديث ؟ كيف أبدأ الحديث مع فتاة لا أعرفها و في أي شيء سأتحدث ؟ هل ستقبل مني ذلك ؟ أم ستحرجني ؟ خاصة مع وجود الكثير من الناس الذين يحيطون بنا، لم أكن أملك الشجاعة الكافية لأفعل ذلك، و لهذا فقد جررت نفسي و تعمدت مرة أخرى أن أمر من أمامها لعلها هي تبدأ أي أمر، لكنه لم يحدث.


غادرت المكان و لم أحاول النظر ورائي؛ فعلى أية حال لن أستطيع رؤيتها إلا إذا دلفت إلى المكان مرة أخرى و لم يكن لهذا ما يبرره، فماذا عساني أن أفعل هل سأقوم بمحادثتها أم سأصمت؟! سيبدو هذا سخيفا على أي حال.


أتى على تفكيري أمر ما، ماذا لو كنت أستطيع أن أذهب إلى ذات اللحظة مرة أخرى ؟ يمكنني أن أحاول فتح الحديث معها  و إذا قامت بإحراجي فيمكنني أن أعود بالزمن مرة أخرى إلى الوراء فأتفاداه، لكن هذا سيكون قد وقع و وقع أمره عليّ بالفعل، الناس فقط هم الذين لن يعرفوا، فبم سيفيدني هذا ؟!


استعدت هنا ما أعرفه عن السفر عبر الزمن من شطحات الكتاب و المبدعين؛ كل شخص يتخيله حسبما يراه و يناسب تفكيره هو و ربما إيمانه أيضا، أخذت أقارن بين هذه الأفكار و ما حدث معي من مقابلتي لهذه الفتاة المجهولة التي لن أراها مرة أخرى.


لو عدت إلى الوراء، فهل سأرى نسخة قديمة مني تتعامل و تتصرف و متواجدة ؟ هل أقوم حينها بالتحدث إليها و من ثم أرجع إلى مستقبلي الفعلي فأرى ما الذي حدث حينما غيرت طريقة تصرفاتي ؟ أمر شديد العبثية على ما أظن !


البعض يقول بأن الروح لا يمكنها أن تتواجد في أكثر من جسد و هذا يعني أنني لو سافرت إلى لحظة قد مررت بها من قبل فلن أجد نسخة قديمة مني لأن هذا الأمر مستحيل حدوثه لأن روحي واحدة و ليست اثنتين و على هذا سيكون المتواجد مني هو نسختي الحديثة فقط لكن ما الذي حدث للنسخة القديمة ؟ لقد كنت في هذا المكان في اللحظة الحالية، لكن عندما عدت إلى الوراء أصبحت في مكان آخر و على هذا فقد انتفى تماما حدوث الأمر الذي جعلني أسافر عبر الزمن، لأنني لم أكن هناك و لم أر الفتاة !


يطلق البعض على استحالة السفر عبر الزمن مفارقة هتلر، و لكي أشرح هذا الأمر و ما الذي يعنيه، بأن هناك شخصا من اليهود قد استطاع أن يصنع آلة يسافر بها عبر الزمن، فقرر أن يذهب و يجهض أم هتلر أثناء حملها فيه و على هذا فإن هتلر لن يكون موجودا و لن يقوم بإحراق اليهود و لن تحدث المذابح و المآسي التي حدثت في التاريخ بسببه، لكن هذا أيضا يعني أمرا آخر؛ بأن السبب الفعلي لوجود الرجل هنا لن يكون قد حدث، لأنه رجع في الأساس لينتقم من هتلر الذي قام بإحراق اليهود، لكن هتلر هذا لم يولد أصلا بعد أن قام بإجهاض أمه أي أنه لم يقم بإحراق اليهود و لهذا فإن هذا الشخص لن يقوم بالسفر عبر الزمن لكي ينتقم من شخص ليس له وجود !


أقر بعض العلماء بأننا فعليا نحيا في الماضي و ذلك لأن النبضات العصبية التي تنقل الأوامر للأعضاء الحسية تستغرق أجزاء بسيطة من الثانية حتى تتم معالجتها، أي أن ما نشعر و نحس به قد حدث فعليا منذ وقت بسيط و على هذا لا يوجد في مفهومنا كبشر ما يطلق عليه الآن أو اللحظة الحالية لأن هذا يستحيل حدوثه.


حاول البعض بالفعل تجربة السفر عبر الزمن مع استحالة تحقيق هذا من الناحية العقلية، لكن هذا الأمر بالفعل قد تم إثباته نظريا لأن سرعة الضوء تستغرق وقتا لكي تصل إلينا بصورة ما، فالنجم الذي نراه في السماء منيرا و مضيئا، ليست هذه حالته في الفترة الحالية فربما يكون قد انفجر أو خفت بريقه، فنحن نرى صورة لما كان عليه من وقت يزيد على آلاف السنين، أي أننا في حاضرنا نرى الماضي و لا نستطيع أن نرى الحالي.


لكن إذا كان العقل و المنطق يرفضان فكرة الرجوع إلى الماضي لأنه لا يمكن تغيير الأحداث الماضية فماذا عن السفر إلى المستقبل ؟ هل يمكن أن يحدث ؟ فنحن حينها لن نقوم بتغيير الماضي لأننا في المستقبل، لكن يأتي سؤال آخر، نحن في هذا المستقبل سنكون بالنسبة لمن يحيون فيه من الماضي، أليس هذا في حد ذاته معناه أنني قد غيرت الماضي بالنسبة إلى هذا الزمن ؟


أمسكت في يدي مطفأة صغيرة، قمت بتركها من يدي فسقطت على الأرض، الجاذبية هنا قد قامت بدورها في إسراع سقوط المطفأة على الأرض، لو قمت بإلقاء المطفأة من مكان أقل ارتفاعا إلى نفس المكان فستسقط بشكل أكثر بطأ على الأرض و لو قمت بإلقائها من مكان عال فستسقط بسرعة أكبر، و على هذا فأنا أكون في هذه الأحوال قد صنعت زمنا مختلفا للمطفأة حتى تصل إلى وجهتها، فهل هذا معناه أن هناك العديد من العوامل التي تقوم بتحديد الزمن و تغييره ؟ فلو قمت بذات الأمر مع أكثر من مطفأة فستصل إحداها إلى نفس المكان في وقت يسبق الأخرى.


الواقع أن تفكيري قد أتعبني، ليس من السفر عبر الزمن و إمكانية حدوثه أو استحالته، بل من تفكيري في الفتاة الجميلة التي تركتها و لم أقوَ على الحديث إليها، رغبت بالفعل أن أعود إلى نفس المكان كي أحاول الحديث إليها، لكن هذا لن يصلح فهي ستكون قد غادرت بالفعل، الأمر يحتاج إذن أن أعود إلى اللحظة الماضية لكن مع أمل ألا أجد نسخة أخرى مني تحظى هي بها.


تعليقات

  1. جميلة يابوحميد التصوير فيها رائع و كذلك المفارقة فى الخاتمة جميلة جدا بجانب دقتك فى وصف بعض الامور العلمية ووفقك الله و سدد خطاك منتظرين و اللى جاى أحلى ان شاء الله
    جدووو

    ردحذف
    الردود
    1. ربنا يخليك يا حبيبي رأيك دايما بيسعدني و يشرفني إنك بتهتم بالقراءة و التعليق

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسائل حب

أسير