ناقد فني

حينما طالبني الصديق العزيز محمد حسني بأن أساعده في عمله الجديد، لم أكن أتوقع أنه يبيّت النية في تحويلي إلى ناقد فني؛ فأنا لا أرى نفسي صالحا لهذا الأمر كوني لا أشاهد إلا ما أحب، و لا أستطيع أن أكون محايدا في آرائي.

و إذا به مجددا يدفعني لمشاهدة أفلام قصيرة لمخرج قابلته منذ فترة يدعى محمد بعتر الذي لا يزال يسعى لنشر أعماله على نطاق أوسع؛ فهو حتى الآن مخرج مستقل، على الرغم من أن الفيلمين الذين شاهدتهما من إخراجه على جودة عالية مقارنة بالأفلام المستقلة الأخرى.






أول فيلم شاهدته أطلق عليه اسم قاسم، و هو اسم بطل العمل الرئيسي، كبير السن و الذي يعمل سائقا لشاب من عائلة غنية.

حتى الآن أشعر بالضيق حينما أرى عملا عربيا تتم كتابة تتراته بلغة أجنبية، لكني حاولت التغاضي عن هذا الأمر أثناء مشاهدتي للفيلم.

التجربة في حد ذاتها تُحترم نظرا لمحاولة فريق العمل صنع فيلم رعب قصير و هو الأمر غير المألوف عندنا، البداية كانت بالحديث عن طريق موحش يتحاشى الناس المرور فيه، أعتقد أن الكثيرين من مشاهدي الفيلم سيتفاجؤون حينما يكتشفون أن هذا الأمر هو مجرد خدعة من الكاتب و المخرج؛ فعند وصولنا لنهاية الفيلم نكتشف أن بطله ينتقم من عائلة هذا الشخص بقتلهم.

أكبر مشاكل الفيلم - من وجهة نظري - هي أن أداء بطل العمل كان متواضعا لحد كبير، بينما كان أداء رب عمله - الشاب المستهتر - عاليا، الأداء التمثيلي للموتى الأحياء لم يكن مقنعا بشكل كبير، ربما كوني شاهدت أعمالا بتكلفة إنتاج عالية، لم أقتنع بها كثيرا، لكن على قدر الإمكانيات المتاحة؛ فهو مجود يُشاد به.

مما سمعته من آراء - و تحديدا رأي الصديقة داليا فاروق - أن ما دفع قاسم للانتقام، أمرا واهيا بشدة و لا يبرر ارتكابه لهذه الجرائم بهذا الشكل، لكن التجربة ليست سيئة بالنسبة لعمل مستقل تم إنتاجه بجهود ذاتية.



الفيلم الثاني، اسمه قرار انتحار، و هو واحد من أفضل الأفلام القصيرة التي شاهدتها، بطل الفيلم هو نفسه مخرجه محمد بعتر، الذي لا يمثل سواه بالفيلم بتعبيرات حركية دون حوار، لشخص يسعى للانتحار شنقا نظرا لما يمر به من صعوبات و ضغوطات لم يتم ذكرها، و إن نجح المخرج ببراعة في جعلنا نستنتجها من سياق الأحداث.

ما فهمته من مشاهدتي للفيلم، أن هذا الشاب قد قرر الانتحار، لكنه ينتظر شيئا يُقصيه عن التنفيذ، بدى ذلك واضحا في فكه للحبل أكثر من مرة؛ حينما ذهب لتعديل زاوية الرؤية بدون داعٍ، و حين ذهب لنزع بطارية هاتفه المحمول عندما اتصل به شخص ما، في الوقت الذي كان يمكنه التجاهل ببساطة.

مفاجأة الفيلم لكثير ممن شاهدوه هي نهايته؛ حينما كان ينظر إلى صوره و شهاداته المعلقة على الحائط، توقف عند شهادات و أوسمة حصل عليها، و حاول بالفعل أن ينزل من على الكرسي لكن اختل توازنه و مات مشنوقا.

رسائل الفيلم رائعة و معبرة و سهلة الاستيعاب، أداء محمد بعتر التمثيلي و تعبيره بحركات وجهه و ملامحه كان مثاليا و استخدامه لشخصيته الحقيقية باسمه الحقيقي خطوة شجاعة و حكيمة في ذات الوقت، أعرف ذلك كوني قد انتهجت منهاجا مشابها في روايتي التي لم تحظَ بالنشر بعد، ما كان يعبر عنه محمد بعتر، هو ما يشعر به كل صاحب إبداع يواجه الإحباطات و الصعوبات في توصيل إنتاجه للناس.

عرفت من المخرج أن له فيلم روائي طويل، و أنه مازال يجاهد في مسيرته، لعله حينما يكتب له الله الوصول إلى طريق الشهرة، يتذكر معاناته و معاناة أصحاب الإبداع الذين قابلهم في حياته، أرجو له التوفيق و النجاح و أدعوكم لمشاهدة أفلامه.


سأكون حُلُماً من أحلامي

إرسال تعليق

حقوق النشر © شعاع من الماضي جميع الحقوق محفوظة
x