حد المنشار

كمتذوق للسينما، في كثير من الأحيان، لا أعلم ما الأسباب التي تجعل لجان التحكيم في مسابقات الجوائز العالمية، لا تمنح أفلاما و صناعها ما يستحقونه، و تعطي لأعمال قد تكون أقل جودة نفس الجوائز، و لا سيما جوائز الأوسكار التي أختلف مع المقيمين فيها معظم الأوقات.

نفس هذا الأمر أقررته بعد مشاهدتي للفيلم الحربي حد المنشار Hacksaw Ridge من إخراج الممثل الشهير ميل غيبسون Mel Gibson، الذي لم يقم بإخراج كثير من الأفلام على مدار حياته الفنية، لكن حينما فعل، أثبت أنه من أفضل المخرجين العالميين، خاصة في المشاهد الدموية و الحربية، أرى أن هذا كان استحقاقا له للحصول على العديد من الجوائز العالمية - و لا سيما الأوسكار - لكنه لم يحدث، ربما كان أحد الأسباب، آراء ميل غيبسون السياسية و التي كادت أن تودي بحياته الفنية، قبل أن يعود مجددا للتمثيل، لكن ليس كسابق عهده، و إن كنت أنتظر منه أعمالا أكثر قوة؛ ففي رأيي  هو واحد من أفضل الممثلين الذين لا زلت أستمتع بأدائه التمثيلي.

لكن هنا، يعود ميل غيبسون بقوة كمخرج متمكن، إخراج الفيلم و تصوير المعارك و الحروب مبهرا، قد يعيب البعض عليه أن أعماله تمتلئ بسفك الدماء، لكني أجد هذا مزية؛ فمن الطبيعي أن الحروب يموت فيها الكثيرون.

قصة الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية، تدور حول ديزموند دوس، الشاب المسالم الذي يرغب في خدمة بلاده في الحرب العالمية الثانية، لكنه يرفض أن يحمل سلاحا أو أن يقتل أي شخص؛ مما يعرضه للعديد من المضايقات من قِبل قائديه و زملائه، بل و يتعرض للحبس أيضا بتهمة عصيان الأوامر، حتى يستطيع والده أن يأتي له بأمر من القيادات بالعمل في الفريق الطبي بدون حمل سلاح كما كان يرغب، و تتوالى الأحداث حتى يصبح ديزموند دوس في النهاية واحدا من أبطال معركة حد المنشار أو Hacksaw Ridge بعد إنقاذه بمفرده لعشرات الأرواح من فريقه و الفريق المعادي.

إضافة إلى الإخراج - و ربما يكون هذا قد فاجئني - لكن أفضل عناصر الفيلم، أداء بطله الممثل أندرو غارفيلد Andrew Garfield، لقى هذا الممثل في البداية استهجانا من الكثيرين حينما أعاد تمثيل شخصية بيتر باركر أو الرجل العنكبوت في فيلمين، و فشل في تحقيق نفس النجاح الذي حققه توبي مغاوير الذي أداها بنجاح مبهر في ثلاثة أفلام، لكن أندرو غارفيلد أثبت في هذا الفيلم أنه ممثل قوي متحكم في أدواته التمثيلية على نحو مبهر، لدرجة أنني حينما شاهدت الفيلم، لم ألتفت كثيرا لأداء الممثلين الآخرين في الأدوار المساعدة، على الرغم من وجود بعض الأسماء القوية مثل سام ورثينغتون Sam Worthington و هوغو واينج Hugo Weaving و وينس ووغن Vince Vaughn، لكن ربما كان لمساحة الدور و طبيعته ما خدم أندرو غارفيلد على أن يبرز كافة إمكانياته كممثل.

ستعلق بذهن كل من يشاهد الفيلم الكثير من المشاهد المؤثرة، لكن أكثر ما سيتذكره الجميع بعد مشاهدة الفيلم، عبارة ديزموند التي يدعو بها الله: "يا رب ساعدني لجلب واحد آخر" Lord, help me to get one more.

أنصح الجميع بمشاهدة هذا الفيلم الذي يعد تحفة فنية بكامل عناصرها؛ من تمثيل و قصة و إخراج و تصوير.