بعد انتهائي من التمرين، ذهبت لكي أحضر دراجتي الهوائية من الداخل، وجدت هبة فاروق تنتظرني كي نغادر المكان معا، وجدتها تنظر لي متوترة و هي تمد يدها بروايتها القصيرة الإله، قائلة:
"أتمنى أن تعجبك و سأنتظر رأيك". أخذت منها الرواية شاكرا، و أنا أخلع حقيبتي من خلف ظهري و أضعها بداخلها، ثم مشيت معها طريقا طويلا حتى وصلت إلى وجهتها، فيما جلست أنا على كرسي الدراجة، مستكملا طريقي حتى منزلي.
مر يومان حتى قررت أن أقرأ إله هبة، الرواية قصيرة لن تستغرق الساعة في قراءتها، كنت أعلم من خلال تعاملي مع هبة و قراءتي لبعض كتاباتها أنها تميل إلى الرمزية؛ دوما هناك معانٍ لا تصرح بها فيما تكتب، ربما كان هذا نابعا من شخصية هبة نفسها التي لا تصرح بكثير مما يدور في حياتها، أو ربما كان هذا فقط أمرا تحبه و تفضله؛ لهذا حينما بدأت أقرأ، كنت أبحث منذ الكلمة الأولى عن المعاني الخفية وراء روايتها.
في مستهل الإله، تكتب هبة خواطر أقرب إلى الشعر، فهمت منها أن أحد سكان واحة ريحانة - التي تدور فيها الأحداث - يناجيها، العبارات تحمل معاتبة للواحة التي أصبحت مقبرة لسكانها، على الرغم مما يحدث، لا يزال هذا المتحدث المجهول يحبها.
بعد ذلك تبدأ الأحداث، تحكي عن ثائر الذي يمتلك قدرات عجيبة؛ منها شفاء المرضى و إحياء الموتى، بل و خلق بعض المخلوقات؛ مما جعل أهل الواحة يعتبرونه إلها يستحق العبادة، كان ثائر يعترف بينه و بين نفسه على أن هذه القدرة التي يعتبرها أهل الواحة لا تعد إلا لإله، أنه ضعيف، لا يستطيع أن يفعل هذا من تلقاء نفسه، بل هناك من يمنحه هذه القوة و يجعله يخلق و يشفي و يحيي و يميت بإذنه، لم يستطع ثائر أن يخلق حتى إنسانا واحدا.
تجري بنا الأحداث حينما شعر ثائر بالقوة و السلطة و أخذ يقتل من يشاء قصاصا، يقرب و يبعد من يشاء إليه و عنه، على الرغم من استبداده و رفض الكثيرين له، لم يجرؤ أحدهم على محاولة إقصائه أو قتله، و كيف بشخص واحد أو حتى مجموعة قليلة أن تفعل هذا، و بقية الجمع راضخون، بل و منهم من يرضى و يؤمن و يبرر لثائر أفعاله !
و حينما حاول ثائر أن يزيد من خلقه لكائنات تعبده، هجمت عليه و كانت هي السبب في قتله، و بعد أن اكتشف الناس أنه قد مات، أقاموا له بنيانا، أخذوا يتقربون فيه إليه، و يفعلون ما أمر به أن يُفعل في حياته، لقد غير الموت من وجود ثائر، لكنه لم يغير من حياة من حوله !
في بعض مقتطفات الإله، وجدت أن أحدا يخاطب ثائر بما حدث في حياته، التي كان بلا شك يعرفها و لا ينساها، شعرت أن هبة متأثرة بحكايات الأنبياء و قصصهم، وجدت في أجزاء من الإله رمزيات مأخوذة من قصتي سيدنا موسى و سيدنا عيسى، لم تذكر هبة من يتحدث إلى ثائر في هذه المقتطفات؛ هل هو الله نفسه كما كان يتحدث إلى سيدنا موسى ؟ أم هي ريحانة نفسها التي تعاتب ثائر، لكنها تعجز عن إبداء الكراهية نحوه لأنها أمه التي أتى منها ؟
في النهاية نجد الحكاية قد نُقلت على لسان طفل، كان يكره ثائر و ما يفعله قومه، لقد غرقت الواحة و مات معظم من فيها، و مع ذلك لا يزال الناس يعبدونه و يؤمنون به، لقد نجى ثائر و من مات معه مما يحدث على الأرض، من عذاب لا يقاسيه إلا الأحياء.