الصبر و التسامح


الصبر هو أحد الفضائل التي لا أتميز بها؛ فلا يمكنني أن أتخيل مقدرتي على الانتظار لساعات و ساعات كي أحصل على مبتغاي، المضحك في الأمر أن كل ما أبتغي يستغرق سنوات و سنوات حتى يتحقق !

دار هذا الأمر برأسي و أنا أشاهد فيلم الصياد العاشق للمخرج صهيب علام، لم أستطع هذه المرة أن أحضر فاعليات برنامج السنيما المستقلة و أقابل المخرج بنفسي لأمور خارجة عن إرادتي، لكن كما اعتاد صديقي محمد حسني منذ مدة أن يطالبني بكتابة رأيي في الأفلام التي يعرضها برنامجه الأسبوعي، تقاعست عدة أيام حتى انتصف الأسبوع بالفعل، و مع غضب صديقي المخرج، حاولت جهدي أن أشاهد فيلمي صهيب علام و أن أكتب رأيي فيهما.




أكثر ما مسني في الفيلم الذي ذكرته أعلاه هو أنه يمكن لكل عاشق و محب أن يتحمل ما لا يُطاق في سبيل عشقه، و هذا أكثر ما يميز الصيادين و هواة الصيد، الذين من الممكن أن ينتظروا مدة تزيد على الست ساعات لكي يصطادوا سمكة واحدة، ربما كان هذا الأمر ما دفعني لكي لا أحاول حتى تجربة الصيد !

و على الرغم من رأيي في الصيد؛ فقد استطاع صهيب علام من خلال فيلم تسجيلي قصير، تسجيل أحاسيس الصيادين و عشاق الصيد ببراعة، الصورة و زوايا التصوير رائعة، الموسيقى التصويرية كانت معبرة و لا تخل بطبيعة الفيلم، على الرغم من أن سكان الإسكندرية يرون البحر يوميا، إلا أن رؤيته في فيلم أو صورة، تجعل إحساسا رائعا يمس النفس، ربما يتنهد أحد سكان المحافظات الأخرى و هو يشاهد هذا الجمال، و قد يتعجب من أن معظم أهل الإسكندرية الأصليين، محرومين من التمتع بالبحر كما يتخيلون !

إذا سامحت من أخطأ في حقي، هل سأجده هو نفسه في وقت ما يساعدني على تجاوز محنة أمر بها ؟ هذا ما دار بذهني و أنا أشاهد فيلم صهيب علام الثاني، الذي أطلق عليه اسم النظارة، كانت مفاجأة سارة لي أن أجد بطل الفيلم هو المخرج محمد بعتر الذي كان أول من كتبت عن أعماله خلال برنامج الأفلام المستقلة، الفيلم بسيط زمنه لا يتعدى الخمس دقائق، حكايته عن أطفال يلعبون بالكرة، يمر بجوارهم شاب يرتدي نظارة، تصطدم الكرة به فتكسر نظارته، يعتذر له الطفل المتسبب في هذا الحادث مع أقرانه؛ فيقبل الاعتذار بدون أن يتذمر، لم ينجح في أن يرى جيدا كي يعبر الشارع؛ فيستسلم و يجلس على الرصيف حزينا؛ لكي يجد أن نفس الأطفال يعاونونه حتى يعبر الشارع و يستقل إحدى السيارات.




و أنا أشاهد الفيلم، تساءلت؛ هل يمكن بالفعل أن نسامح، و هل بعدها لن نتذمر ممن أخطأ في حقنا و سامحناه ؟ ليس كل إنسان يستطيع فعل هذا؛ فالتوتر و العصبية قد أصبحتا سمتين رئيسيتين في حياة الكثيرين منا، ربما توقع البعض أن يسب الرجل الأطفال أو يصرخ حتى في وجوههم لكنه لم يفعل، كان المخرج يرغب في أن يجعل كل مشاهد يضع نفسه في موقف البطل و يتخيل رد فعله.

ربما نستطيع من خلال الصبر و التسامح أن نحصل على أكثر مما نرغب، لكن من منا يمتلكهما ؟ و هل يا ترى يستطيع صهيب علام نفسه الصبر حتى يصل إلى مبتغاه و يحقق ما يتمناه كصانع للأفلام، و يسامح كل من يعتدي على حقه أو يحصل على فرصة كانت من الممكن أن تكون له و هو يثق في أن الله سيعوضه بأكثر ما يتمنى ؟ إن كان فهنيئا له، و إن لم يكن؛ فأدعو الله أن يلهمه و يلهمنا جميعا الصبر و التسامح.


سأكون حُلُماً من أحلامي

تعليقان (2)

  1. جميل جدا يا احمد مشاعرك وكأنك ناقد محترف أتمنى لك التوفيق في جميع خطواتك المستقبلية
    1. ربنا يخليك يا بابا
حقوق النشر © شعاع من الماضي جميع الحقوق محفوظة
x