هذا التوتر الذي أشعر به كلما شرعتُ في أمر جديد، ليس بغريب عليّ، بل يجعلني في أحيان كثيرة لا أنجح في القيام بأمور أجيدها بالفعل، بالإضافة إلى حظي السيء الذي لم أعتد أبدا أن ألعنه أو أشعر بكراهيتي لنفسي و شخصيتي، على الرغم من أن حظي هذا لم يكن على ما يرام طيلة حياتي و أن شخصيتي فيها الكثير من الأشياء التي تتواءم معه لتصنعا مزيجا هائلا من الفشل و الذي يجعل حالتي النفسية أكثر سوءً و يغرقني في بحور من اليأس و الإحباط.
و على الرغم من هذه الأفكار السوداء التي ملأت رأسي - خاصة مع مروري بأكثر من تجربة قاسية في الفترة الأخيرة - ملأت رئتيّ بالهواء و ابتلعتُ ريقي و أنا ألِج مرة أخرى إلى هذا المكان كي أستفسر عن حصص التانغو.
و حينما أستفسر مني هذا المُدرب عن الفِترة التي قضيتها في مُمارسة التانغو، كان هذا السؤال صعبا للغاية و ليس بقدر السهولة الذي يعتقده، توقفتُ للحظات و أنا أسترجع بداياتي مع هذه الرقصة التي لم أنجح في إجادتها بالقدر الكافي على الرغم من مرور ما يزيد على الثلاثة أعوام منذ بدأتُ في تمريناتها.
و لكن قبل أن أسترجع بداياتي مع التانغو، كان عليّ أولا أن أعرف بدايات التانغو نفسه؛ فمعلوماتي عنه لم تكن أكثر من حركات راقصة يقوم بها زوجان معا؛ يكون فيها الرجل قائدا Leader و المرأة تابعا Follower، لكن التانغو أكثر عمقا من هذا؛ فحينما استمعتُ إلى المُدرب أثناء الحصص يذكر بعض المُسميات مثل Milonga و Ocho و Media Luna، كان هذا التعبير يرتسم على وجهي:
و حينما أستفسر مني هذا المُدرب عن الفِترة التي قضيتها في مُمارسة التانغو، كان هذا السؤال صعبا للغاية و ليس بقدر السهولة الذي يعتقده، توقفتُ للحظات و أنا أسترجع بداياتي مع هذه الرقصة التي لم أنجح في إجادتها بالقدر الكافي على الرغم من مرور ما يزيد على الثلاثة أعوام منذ بدأتُ في تمريناتها.
و لكن قبل أن أسترجع بداياتي مع التانغو، كان عليّ أولا أن أعرف بدايات التانغو نفسه؛ فمعلوماتي عنه لم تكن أكثر من حركات راقصة يقوم بها زوجان معا؛ يكون فيها الرجل قائدا Leader و المرأة تابعا Follower، لكن التانغو أكثر عمقا من هذا؛ فحينما استمعتُ إلى المُدرب أثناء الحصص يذكر بعض المُسميات مثل Milonga و Ocho و Media Luna، كان هذا التعبير يرتسم على وجهي:
بدايات التانغو Tango كانت عام 1880 على طول نهر الفضة أو ما يُعرف بالإسبانية باسم Río de la Plata و هذا النهر هو عبارة عن خَوْر - مصب نهر - تكوّن نتيجة الاقتران بين نهري باراغواي Paraguay و بارانا Parana على الحدود بين دولتي الأرجنتين Argentina وأوروغواي Uruguay؛ لذلك فإن التانغو قد نشأ في كلا الدولتين معا و تحديدا في المناطق الفقيرة منهما.
و في هذه الفترة من الزمن، كان يوجد الكثير من العبيد ذوي الأصول الأفريقية؛ لذلك حدث امتزاج بين هذه الثقافات في نوعية الموسيقى و الحركات الراقصة لكي يكون التانغو هو الناتج النهائي لها.
و كانت انطلاقة التانغو الفعلية في مدينة بوينس آيرس Buenos Aires عاصمة الأرجنتين، و كان في البداية منتشرا بين الطبقات الفقيرة كمحاولة من أفرادها لمتضية أوقاتهم في القيام بأمر يُضفي عليهم المتعة و الهدوء و السلام النفسي، كما قيل إنه كان وسيلة من الرجال لجذب النساء إليهم؛ فكان الرجال يمارسون حركات الرقص معا و ليس مع شركاء من الإناث كي يتعلموا كيفية تنفيذ حركات مُبهرة أمامهن.
و في هذه الفترة من الزمن، كان يوجد الكثير من العبيد ذوي الأصول الأفريقية؛ لذلك حدث امتزاج بين هذه الثقافات في نوعية الموسيقى و الحركات الراقصة لكي يكون التانغو هو الناتج النهائي لها.
و كانت انطلاقة التانغو الفعلية في مدينة بوينس آيرس Buenos Aires عاصمة الأرجنتين، و كان في البداية منتشرا بين الطبقات الفقيرة كمحاولة من أفرادها لمتضية أوقاتهم في القيام بأمر يُضفي عليهم المتعة و الهدوء و السلام النفسي، كما قيل إنه كان وسيلة من الرجال لجذب النساء إليهم؛ فكان الرجال يمارسون حركات الرقص معا و ليس مع شركاء من الإناث كي يتعلموا كيفية تنفيذ حركات مُبهرة أمامهن.
كانت الحركات - على خلاف الكثير من أنواع الرقص - هادئة، تتطلب التواصل الجسدي بين شريكي الرقص و الذي لم يكن مألوفا أو شائعا بين الناس في الرقصات الأخرى، التي كان يُكتفى فيها بأن يكون الشريكان يقفان أمام بعضهما فقط دون حدوث أي تلامس جسديّ.
و مع بدايات القرن العشرين ارتحل العديد من الراقصين و العازفين من الأرجنتين إلى أوروبا؛ لكي يظهر التانغو في باريس و لندن و برلين، و بنهاية عام 1913 أصبح يحتل مكانا مميزا في نيويورك و فنلندا كذلك.
و لا يستطيع أحد أن يجزم بشكل قاطع من أين أتت كلمة تانغو Tango، لكن هناك قولان هما الأكثر شيوعا؛ أولهما أنها كلمة ذات أصول من جماعات يوروبا Yoruba - أكبر مجموعة عرقية في نيجيريا - و التي كانت أصلها Shangó و معناها إله الرعد النيجيري !
شخصيا أتعجب من هذه القصة لأن الرقصة أغلب حركاتها هادئة و الرعد يوحي بالقوة و الاضطراب؛ فهل كان الناس تنقصهم البلاغة حينئذٍ ؟!
و القول الثاني - و هو الأكثر صحة من وجهة نظري - أن أصلها يرجع إلى الكلمة الإسبانية Tambor و التي تعني الطبل Drum و التي تم اختصارها مع الزمن إلى Tambo ثم تحولت في النهاية إلى Tango.
و لقد كنت طيلة حياتي أرغب في أن أتعلم الرقص؛ فأنا أرى نفسي أمتلك حسا موسيقيا و أذنا موسيقية جيدة، و أحب النظام في كل شيء، و الرقص في مفهومي الشخصي هو عبارة عن تحريك الجسم في حركات مُنظمة لها شكل و وقع جميل، لكني عزفت عن هذا نظرا لكوني شديد الخجل و غير اجتماعي و الرقص الزوجي هو عمل جماعي و يحتاج إلى تواصل جسدي بين رجل و امرأة و هذا الأمر كان فيما مضى يستحيل حدوثه معي.
كما أرى في الرقص الزوجي أنه التقاء لروحي و أحاسيس الشريكين قبل أن يكون التقاءً لجسديهما و كنت أتمنى أن أرقص فقط مع شريكة حياتي؛ لذلك فقد جربت أنواعا أخرى من الرقص التي لا تتطلب شريكين للقيام بها مثل الزومبا Zumba و الرقص المعاصر Contemporary Dancing، لكن الأول كان أقرب لتمرين رياضي منه إلى رقص فعلي و الآخر لم أحبذه كثيرا كونه لا يتَّبع قواعد في معظم الأحوال أو كما أحب أن أطلق عليه الفوضى المنظمة، على الرغم من كونه هاما للغاية بالنسبة للكثيرين في كيفية الاستفادة بكل عضلات أجسامهم و تحريكها في رواية قصة أو حدث، لكنه لم يمس قلبي و أحاسيسي.
و مع بدايات القرن العشرين ارتحل العديد من الراقصين و العازفين من الأرجنتين إلى أوروبا؛ لكي يظهر التانغو في باريس و لندن و برلين، و بنهاية عام 1913 أصبح يحتل مكانا مميزا في نيويورك و فنلندا كذلك.
و لا يستطيع أحد أن يجزم بشكل قاطع من أين أتت كلمة تانغو Tango، لكن هناك قولان هما الأكثر شيوعا؛ أولهما أنها كلمة ذات أصول من جماعات يوروبا Yoruba - أكبر مجموعة عرقية في نيجيريا - و التي كانت أصلها Shangó و معناها إله الرعد النيجيري !
شخصيا أتعجب من هذه القصة لأن الرقصة أغلب حركاتها هادئة و الرعد يوحي بالقوة و الاضطراب؛ فهل كان الناس تنقصهم البلاغة حينئذٍ ؟!
و القول الثاني - و هو الأكثر صحة من وجهة نظري - أن أصلها يرجع إلى الكلمة الإسبانية Tambor و التي تعني الطبل Drum و التي تم اختصارها مع الزمن إلى Tambo ثم تحولت في النهاية إلى Tango.
و لقد كنت طيلة حياتي أرغب في أن أتعلم الرقص؛ فأنا أرى نفسي أمتلك حسا موسيقيا و أذنا موسيقية جيدة، و أحب النظام في كل شيء، و الرقص في مفهومي الشخصي هو عبارة عن تحريك الجسم في حركات مُنظمة لها شكل و وقع جميل، لكني عزفت عن هذا نظرا لكوني شديد الخجل و غير اجتماعي و الرقص الزوجي هو عمل جماعي و يحتاج إلى تواصل جسدي بين رجل و امرأة و هذا الأمر كان فيما مضى يستحيل حدوثه معي.
كما أرى في الرقص الزوجي أنه التقاء لروحي و أحاسيس الشريكين قبل أن يكون التقاءً لجسديهما و كنت أتمنى أن أرقص فقط مع شريكة حياتي؛ لذلك فقد جربت أنواعا أخرى من الرقص التي لا تتطلب شريكين للقيام بها مثل الزومبا Zumba و الرقص المعاصر Contemporary Dancing، لكن الأول كان أقرب لتمرين رياضي منه إلى رقص فعلي و الآخر لم أحبذه كثيرا كونه لا يتَّبع قواعد في معظم الأحوال أو كما أحب أن أطلق عليه الفوضى المنظمة، على الرغم من كونه هاما للغاية بالنسبة للكثيرين في كيفية الاستفادة بكل عضلات أجسامهم و تحريكها في رواية قصة أو حدث، لكنه لم يمس قلبي و أحاسيسي.
و مع تجاوز عمري الثلاثين أدركت كوني قد أظل طيلة حياتي بدون شريكة و هذا ما دفعني لأن أقول لنفسي : "يعني لا حيبقى شريكة في جواز و لا في رقص ؟!"، بالإضافة إلى كوني كنت أحتاج الرقص في كثير من الأشياء الأخرى التي قد يغفل عنها أو لا يصدقها الكثيرون؛ منها أنه يعلمك عدم الأنانية لأنه لكي تبدع في الرقص و تظهر بمظهر جيد؛ يجب على شريكك أيضا أن يظهر بشكل جيد؛ فلا يمكنك إنْ كنت تجيد الكثير من الحركات أو كنت مُتمرسا منذ مدة و ترقص مع شريك جيد، أن تُظهر نفسك و إمكانياتك فقط، بل يجب عليك أن تعمل على أن تكونا متوافِقَيْن سويا حتى تخرجا بأفضل صورة مُمكنة و أن تقضي أنت نفسك وقتا أكثر متعة.
كما أن الرقص يعلمك التركيز الشديد مع تجاهل المُثيرات و العوامل الأخرى؛ فلا يمكنك أن تؤدي بشكل جيد إنْ كنت فاقدا للتركيز أو يكون عقلك ذاهبا إلى أمور أخرى؛ فالأمر أساسه العقل أولا ثم يتبعه الجسد و ليس مجرد حركات جسدية لها وقع رتيب أو تُنفذ بشكل آلي.
كما أن الرقص يعلمك التركيز الشديد مع تجاهل المُثيرات و العوامل الأخرى؛ فلا يمكنك أن تؤدي بشكل جيد إنْ كنت فاقدا للتركيز أو يكون عقلك ذاهبا إلى أمور أخرى؛ فالأمر أساسه العقل أولا ثم يتبعه الجسد و ليس مجرد حركات جسدية لها وقع رتيب أو تُنفذ بشكل آلي.
و ليس شرطا لكي تكون الرقصة جيدة و ممتعة أن تكون حافظا للكثير من الحركات؛ فلقد صادفتُ مُتمرسين في الرقص يحفظون و ينفذون حركات كثيرة، لكن الأمر لم يكن فيه أي إمتاع؛ و لذلك قد يفهم الراقصون لماذا في بعض الأحيان يرقص شخص مع أحدهم بشكل رائع، و لا يرقص مع آخر بشكل جيد على الرغم من أن كليهما يُجيد الرقص.
و مع اعتزامي البدء في تعلم الرقص، وجدتُ شغفي بالتانغو أكثر؛ فأنا أحب إيقاع الموسيقى نفسه و أجدها ساحرة، كما أجد نفسي في كثير من الأحيان أتحرك في خيالي مع الإيقاع على الرغم من أنني حينما أُطبقه على أرض الواقع تكون النتائج مختلفة !
و مع اعتزامي البدء في تعلم الرقص، وجدتُ شغفي بالتانغو أكثر؛ فأنا أحب إيقاع الموسيقى نفسه و أجدها ساحرة، كما أجد نفسي في كثير من الأحيان أتحرك في خيالي مع الإيقاع على الرغم من أنني حينما أُطبقه على أرض الواقع تكون النتائج مختلفة !
أخذت أبحث عن مدارس و مدربين لتعليم التانغو في مدينتي الإسكندرية، لم أجد الكثيرين، في الواقع كنت أرغب في أن أعرف متى بدأت الرقصة في مصر و مَنْ أدخلها قبل قيامي بهذا البحث، لكن لم أجد أي معلومات شافية بهذا الشأن، لكني أخمن أنها قد دخلت مع الاحتلال الإنكليزي، و كانت موسيقى التانغو و الرقصة نفسها موجودة في مصر منذ الثلاثينات على الأقل، و نظرا للعلاقة الخاصة التي تجمعني بعبد الحليم، فقد كنت مُطَّلِعا على أغاني التانغو التي تغنى بها، كما أعرف أن هناك غيره من مطربي هذا الزمن لهم أغنيات تانغو كذلك.
و حاولتُ أن ألتحق بعدد من الدورات و الحصص، لكني كنت أصل دوما متأخرا فتكون الدورة قد بدأت بالفعل و عليّ الانتظار، حتى التحقتُ ببعض الدورات التي لم أتوفق فيها كثيرا؛ فهناك العديد من المدارس و الأساليب في التانغو، ليس فقط في كل دولة، بل الواقع أن كل شخص سواء أكان مدربا أم متدربا، يضع بصمته الخاصة و أسلوبه في الرقص؛ أتذكر بدايتي كانت مع مدرب يحرص على أن يجعل المتدرب يحفظ الحركات و يؤدي أشياء قد تبدو مبهرة للكثيرين كأن يجعل القائد Leader يحمل التابع Follower و يدور بها في حركات منتظمة في بعض الأحيان، و تكون النتيجة في النهاية شكلا مبهرا للحركات، لكن مع مضي الوقت اكتشفت أنني لم أستطع أن أنفذ رقصة فعلية و كنت أكتفي فقط بمشاهدة الراقصين و الاستماع للموسيقى.
لذلك توقفت لفترة زمنية بعدما أُصبت بالإحباط كوني لا أستطيع الاستفادة، و كانت تجربتي الثانية - مع المُدرب الذي بدأت به حديثي - غير مُرضية لي؛ فعلى الرغم من أنه من أفضل راقصي ومُعلِّمي التانغو؛ فكان التمرين كلما بدأ، يتبدَّل المتدربون مما يضطره للبدء من جديد و حينما انتظم التدريب، أصبح لكل شخص شريك يُفضله و وجدت نفسي في النهاية أقف وحيدا منتظرا أن يمن عليّ حظي بشريكة أستطيع أن أتمرن معها بشكل مستمر.
و على خلاف ما قد يتوقعه الكثيرون؛ السيدات أكثر جرأة من الرجال في الرقص - أو ربما في كل شيء آخر ! -؛ فهن يُبدين رفضهن بدون إحراج و ينسحبن من الرقص إن لم يحببن الأمر، بل في كثير من الأحيان يقمن هن بدعوة الرجال للرقص معهن !
و على خلاف ما قد يتوقعه الكثيرون؛ السيدات أكثر جرأة من الرجال في الرقص - أو ربما في كل شيء آخر ! -؛ فهن يُبدين رفضهن بدون إحراج و ينسحبن من الرقص إن لم يحببن الأمر، بل في كثير من الأحيان يقمن هن بدعوة الرجال للرقص معهن !
وفي فصول هذا المدرب، مررتُ بتجربة عاطفية سيئة؛ قابلتُ فتاة و طلبتْ هي مني أن نكون شريكين في الرقص، رحبتُ كثيرا بهذا الأمر و بالفعل استمرينا معا على مدار عدد من الحصص، و بدأت أشعر بانجذاب مُتبادَل بيننا.
أتذكر في إحدى المرات حينما كنتُ أرقص معها، كنتُ مرتبكا للغاية فقالت لي: "أحمد، على فكرة أنا اللي المفروض أبقى مكسوفة !"، و كلامها هذا لم يزل ارتباكي خاصة حينما تخيلتُ نفسي بهذا الشكل:
عَرَفَتْ عني حينها بعض الأشياء؛ كوني أبحث عن عمل بعد أن فقدتُ وظيفتي، سألتني ثلاث مرات إنْ كان الله قد وفقني في عمل أم لا، ثم توقفتْ و بدأتْ تتغير ناحيتي، و لا سيما حينما انضم إلى الفصل مُتدرب تانغو محترف؛ فبدأت تعزف عني، حتى إنها أكثر من مرة قد أظهرت الضيق الشديد حينما كنت أرقص معها و أحرجتني كثيرا أمام الزملاء، و كانت المرة الأخيرة حين أخبرتني بصلف شديد أنها لا تشعر بقيادتي أثناء الرقص و حينما انتوت الرحيل مبكرا، بدأت أستعد للمغادرة معها كما اعتدتُ أن أفعل طيلة المرات الماضية و لكي أسألها كذلك عن الأسباب التي أدت لتغيُّرها معي على هذا النحو؛ فرفضتْ و أخبرتني كلاما لا معنى له، لم يكن يمثل لها أي مشكلة من قبل، شعرتُ بنيران تحترق بداخلي و شعر الزملاء بهذا الأمر فاعتذرت لهم بأنني لن أستطيع استئناف التمرين.
أخذتُ أدور حول نفسي في المكان كشخص مُختَل العقل، وأنا أسأل عن المُدرب؛ فخرج لي من إحدى القاعات و كانت تبدو عليه علامات الإرهاق و التعب؛ فعرفتُ أنه كان يتدرب على شيء ما؛ فسلَّم عليّ بترحاب و أخبرني بأنه ما زال لم ينتهِ من التدريب، لكنه خرج خصيصا لي؛ فتحدثتُ إليه قليلاً عن عدم رغبتي في الاستكمال نتيجة موقف مُحرج حدث لي؛ فعرفتُ منه أنه يعلم و قال لي إن هذه الفتاة أخبرته "إني لازق لها و هي عايزة تغيَّر المجموعة"؛ شعرتُ بالصدمة من هذه الإهانات المُتزايدة، و حاولتُ ان أُدافع عن نفسي، لكني لم أستطِع الحديث حينها، و كان هو نفسه لا يرغب في أن يكون طرفاً في موضوع مثل هذا؛ فاحترمتُ ذلك بالطبع، و اعتذرتُ له كثيرا وشكرته كونه قد تحمَّلني طوال هذا الوقت.
و الواقع إنني لم أكن مؤهلا للتعامل مع الناس في هذه الفترة، و كنت أرغب في الانعزال، حتى إنني قمت بإغلاق جميع حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي و تغيير رقم هاتفي، بالإضافة إلى حسابي الذي كان يحتوي على مدونتي القديمة، التي اضطررتُ بعدها لنقل محتوياتها إلى حساب جديد مما أفقدني الأرشفة و المُتابعين، ثم حاولت مقاومة هذا الأمر بداخلي كوني أعلم توابعه السيئة عليّ، كنت أرغب في أن يصبح التانغو وسيلتي السحرية لتحطيم قيود الحياة التي تُكبلني، لكن هذا لم يحدث مع الأسف !
وبعد ذلك قمتُ بالانضمام إلى مجموعة أخرى، لم تكن مع نفس المدرب و لا توجد في نفس المكان؛ فقد كان وجودي فيه يُنغّص عليّ أكثر ويجعلني أتذكر مواقف أرغب في نسيانها، بالإضافة إلى أن استئنافي في الحضور كان سيصبح مُهينا لي، وعلى الرُغم من النصائح التي سمعتُها بأن أحاول التركيز فقط على التانغو و أن أترك أي أمور أخرى تحدث بالتدريج، لا أعلم حينها بماذا أجيب ؟! هل أقول بأن مشاعري قد حركتها أنغام التانغو و خطواته الحميمية و لم أستطع التحكم فيها ؟ أم إنها مُرهفة بالفطرة و تنتظر فقط أي فرصة لكي تشتعل ؟
و مع الحصة الأولى، أخذتُ تأكيدا على كون أذني موسيقية و أجيد القيادة على عكس ما قالته عني هذه الفتاة من قبل، لكني كنتُ مترددا في الذهاب إلى الحفلات أو ميلونغا Milonga - كما هو التعبير الشائع.
و كلمة ميلونغا لها أكثر من معنى؛ أولها هي الحفل نفسه الذي يذهب فيه الراقصون Milongueros من مختلف مستوياتهم لممارسة الرقص.
و المعنى الثاني هو أحد أنواع التانغو التي تتميز بكونها أكثر سرعة و أقل تعقيدا من التانغو العادي و فيه يحافظ الراقصون على أجسادهم مُسترخية، مُعتمدين بشكل أكثر على إيقاع الموسيقى في حركاتهم.
و المعنى الآخر بالطبع هو نوع الموسيقى نفسه الذي يتميز بإيقاعته السريعة، و الذي يتطلب من الراقصين بدورهم أن تكون خطواتهم أكثر سرعة.
و صراحة لا أعلم تحديدا إنْ كان هذا النوع هو الأكثر سهولة بالنسبة للمبتدئين أم لا؛ فعلى الرغم من كون حركاته غير معقدة، لكن الحوادث تحدث كثيرا في قاعات الرقص بسببه؛ مثل أن يدوس الشريكان على أقدام بعضيهما أو يصطدما بشركاء آخرين أثناء تحركهما، و حدث هذا الأمر معي كثيرا.
و لقد عرفتُ أن الراقصين في الأرجنتين يكرهون تصنيف التانغو أو تقسيمه إلى أساليب - فهم يقولون فقط إنهم يرقصون التانغو - و حينما حاولت أن أبحث في هذا الأمر، وجدتُ الكثير من المعلومات غير المكتملة، لكنها على الأقل قد أعطتني فكرة عن الطرق التي يتبعها محبو التانغو حول العالم، و بوجه عام فالآن توجد ثلاثة أنواع أساسية من التانغو هي التي يمارسها غالبية الراقصين حول العالم :-
- تانغو العرض Salon Tango و هذا الأسلوب هو الأكثر شيوعا في الحفلات و قاعات الرقص.
- تانغو القاعات Ballroom Tango و هذا الأسلوب مطور من التانغو الأرجنتيني - الأسلوب الأصلي للرقص الذي يحتوي على العناصر الأساسية له -، لكنه يتميز بالسهولة مما يجعله الخيار الأمثل لتعلُّم المبتدئين.
- تانغو القاعات Ballroom Tango و هذا الأسلوب مطور من التانغو الأرجنتيني - الأسلوب الأصلي للرقص الذي يحتوي على العناصر الأساسية له -، لكنه يتميز بالسهولة مما يجعله الخيار الأمثل لتعلُّم المبتدئين.
- التانغو الجديد Tango Nuevo قام بتطويره راقص أرجنتيني شهير يُدعَى غوستافو ناويرا Gustavo Naveira ثم تبعه في تطويره راقص أرجنتيني شهير آخر هو ماريانو تشيتشو Mariano chicho، و هذا الأسلوب أكثر تعقيدا فطريقة القيادة فيه مختلفة عن التانغو التقليدي و موسيقاه تدخل فيها آلات حديثة و هو مناسب فقط للمحترفين و لا يمكن تعلُّمه إلا بعد إجادة التانغو التقليدي.
و حينما استمعت إلى نصائح كثير من مدربي الرقص حول العالم، كانت الطريقة في دعوة الرجل The Gentleman للسيدة The lady، بأن ينظر إليها و يبتسم في هدوء فإن بادلته الابتسام فعليه أن يذهب و يعرض عليها الرقص و إنْ تجاهلته فهذا معناه أنها غير مهتمة.
الغريب أن هذا الأمر حدث معي عكسه تماما؛ ففي إحدى المرات ابتسمتُ لسيدة فابتسمتْ لي و ظلت مُسلطة عينيها عليّ فذهبت إليها و دعوتها للرقص فرفضتْ لأن قدميها تؤلماها و هي أتت اليوم للمشاهدة فقط، و لم تمض دقائق كثيرة حتى وجدتها ترقص - و خرباها على الآخر - بشكل لا يوحي بأي مشكلات في قدميها فهرشتُ في رأسي ثم قلت: "سبحان الشافي المعافي" !
و قد تعلمت أيضا أنه عند دعوة السيدة، لا يجب أن تشير إليها بالقدوم إليك و أن تحترس من طريقتك في النظر إليها:
الغريب أن هذا الأمر حدث معي عكسه تماما؛ ففي إحدى المرات ابتسمتُ لسيدة فابتسمتْ لي و ظلت مُسلطة عينيها عليّ فذهبت إليها و دعوتها للرقص فرفضتْ لأن قدميها تؤلماها و هي أتت اليوم للمشاهدة فقط، و لم تمض دقائق كثيرة حتى وجدتها ترقص - و خرباها على الآخر - بشكل لا يوحي بأي مشكلات في قدميها فهرشتُ في رأسي ثم قلت: "سبحان الشافي المعافي" !
و قد تعلمت أيضا أنه عند دعوة السيدة، لا يجب أن تشير إليها بالقدوم إليك و أن تحترس من طريقتك في النظر إليها:
و إذا شعرتَ بأنها لن ترفض، اذهب إلى مكان جلوسها و مِل ناحيتها و مد يدك - بعد إبدائها الموافقة - ثم اذهب بها إلى باحة الرقص - حلوة باحة دي - و بعد انتهاء الرقصة، يمكنها أن تُكمل معك السلسلة كاملة أو ما يُطلق عليه Tanda إذا كانت قد استمتعت بالرقص - تكون في الغالب ثلاث رقصات متتالية - أو تنصرف بعد الرقصة الأولى إن لم تستمتع معك،
و إذا استمرتْ معك حتى النهاية، يكون من الجميل أن تُقبل يدها و تشكرها ثم تُرجعها مرة أخرى إلى مكانها - في الواقع بعد نهاية السلسلة معظم مَنْ رقصتُ معهن كُن يتركنني على الفور بدون السماح لي بأن أعيدهن إلى أماكنهن - !
و ليس الجميع سواء أكانوا رجالا أم نساءً يلتزمون بقواعد فن المعاملات Etiquette في الرقص، لكن مع اتباعها يكون الرقص أكثر جمالا و ذوقا.
و الواقع أن الأكثر صعوبة في التانغو - أو أي رقص زوجي - هو أن تطلب من سيدة أن ترقص معك؛ كنت قد طلبت من إحدى السيدات - و هي في الواقع تقوم بتدريب التانغو - أن ترقص معي؛ فأخبرتني أنها ترتاح قليلا فتركتها لفترة و كلما هممت بالذهاب إليها، كانت تلاحظ نظراتي فتبدأ في الإمساك بهاتفها و العبث في أزراره ثم تضعه على أذنها و كأنها تتحدث - قال يعني كده ما فهمتش - ! و كان هذا الأمر يتكرر منها في كل مرة أُقابلها فيها.
و في موقف آخر استأذنت من فتاة فاتنة للرقص فوافقت؛ فوقفتُ في انتظارها فأخذت تتحدث إلى شخص آخر غير مُبالية بوجودي أمامها و لا بالناس الذين يُحيطون بنا، و لا أعلم حتى هذه اللحظة لماذا وافقتْ ثم تجاهلتني بهذا الشكل !
كان الوضع محرجا و مؤلما بشكل صَعُبَ عليّ فيه حتى أن أتحرك من مكاني لأنصرف، لاحظت إحدى السيدات اللطيفات هذا الأمر فأتت إليّ و طلبت مني هي الرقص و أخذت تمزح معي طيلة الوقت حتى تجعلني أنسى الموقف.
و ليس الجميع سواء أكانوا رجالا أم نساءً يلتزمون بقواعد فن المعاملات Etiquette في الرقص، لكن مع اتباعها يكون الرقص أكثر جمالا و ذوقا.
و الواقع أن الأكثر صعوبة في التانغو - أو أي رقص زوجي - هو أن تطلب من سيدة أن ترقص معك؛ كنت قد طلبت من إحدى السيدات - و هي في الواقع تقوم بتدريب التانغو - أن ترقص معي؛ فأخبرتني أنها ترتاح قليلا فتركتها لفترة و كلما هممت بالذهاب إليها، كانت تلاحظ نظراتي فتبدأ في الإمساك بهاتفها و العبث في أزراره ثم تضعه على أذنها و كأنها تتحدث - قال يعني كده ما فهمتش - ! و كان هذا الأمر يتكرر منها في كل مرة أُقابلها فيها.
و في موقف آخر استأذنت من فتاة فاتنة للرقص فوافقت؛ فوقفتُ في انتظارها فأخذت تتحدث إلى شخص آخر غير مُبالية بوجودي أمامها و لا بالناس الذين يُحيطون بنا، و لا أعلم حتى هذه اللحظة لماذا وافقتْ ثم تجاهلتني بهذا الشكل !
كان الوضع محرجا و مؤلما بشكل صَعُبَ عليّ فيه حتى أن أتحرك من مكاني لأنصرف، لاحظت إحدى السيدات اللطيفات هذا الأمر فأتت إليّ و طلبت مني هي الرقص و أخذت تمزح معي طيلة الوقت حتى تجعلني أنسى الموقف.
و في نفس الليلة كانت هناك فتاة حسناء أخرى تُجيد الرقص بشكل احترافي، رأيتها مرة و ظننت في نفسي كوني غير جدير بأن أطلبها للرقص، حاولت أن أنظر ناحيتها و أبتسم فأعرف إن كانت ستبادلني الابتسام أم لا فأذهب لأطلبها، لكنها كانت تنظر في جميع الاتجاهات و لا تنظر ناحيتي فقلت لنفسي: "هو الموضوع ده مش شغال في مصر ليه ؟!"، و بعد ترددي لمدة قلت: "يالا هي جت على دي !" و ذهبتُ إليها مُرتبكا فوافقتْ مبتسمة، و كانت حتى هذه اللحظة واحدة من أفضل المرات التي رقصت فيها في حياتي؛ كان بين يدي للحظات قِصار جمال الدنيا و رقتها و عذوبتها، لكنها كانت يجب أن تنتهي سريعا كما ينتهي كل شيء جميل.
و هذا معناه أنه مع وجودك في هذا المجتمع - كأي مجتمع آخر - يجب أن تعتاد على العزوف و الرفض و الإحراج، و لا شك أنه سيقابلك أيضا الإقبال و الموافقة و الترحاب، لكن يبدو أنه كان يصعُب عليّ ذلك، على الرُغم من كوني أُعاني من الرفض دائما و المُفترَض أن أكون قد اعتدتُ عليه بالفعل !
و هذا معناه أنه مع وجودك في هذا المجتمع - كأي مجتمع آخر - يجب أن تعتاد على العزوف و الرفض و الإحراج، و لا شك أنه سيقابلك أيضا الإقبال و الموافقة و الترحاب، لكن يبدو أنه كان يصعُب عليّ ذلك، على الرُغم من كوني أُعاني من الرفض دائما و المُفترَض أن أكون قد اعتدتُ عليه بالفعل !
و كان الأمر في حصص التدريب يختلف عن الحفلات؛ ففي الحصص نقوم عادة بتجربة الخطوات و تعلم خطوات جديدة و لا يكون الأمر رقصا فعليا، و هذا لا يعني أنني لم أُصب بالإحباط في كثير من الأحيان، على الرغم من أنني قد تلقيت مساعدات و تشجيعات من بعض المُتدربين الآخرين، لا سيما شابا وسيما - يشبه رعاة البقر الأمريكيين القدامى -، مُتمرسا في الرقص منذ مدة، أدين له بالكثير من الفضل في دعمي و تشجيعي، - حتى إنه كان يلاحظ ترددي في دعوة الفتيات للرقص فكان يستأذن منهن بالنيابة عني -، و كذلك سيدات لطيفات، كانت إحداهن التي أنقذتني من الموقف المُحرج السالف ذكره.
و على ذكر القائد و التابع في التانغو؛ قد يبدو للبعض أن معنى هذين التعبيرين أن الرجل هو الذي يقوم بكل شيء و المرأة لا تفعل شيئا سوى أن تتبعه، و هذا بالطبع ليس بالأمر الصحيح؛ فالمقصود بالتسميتين؛ أن الرجل يقود الرقصة من أجل المرأة و لا يقود المرأة نفسها، أما هي فتضيف أسلوبها و روحها و حركاتها الخاصة، التي لا يمكن أن تكون على قدر كامل من الإبداع إذا كانت المرأة تعتمد على الرجل فقط في أن يجعلها تتحرك.
و حينما جربتُ إحدى الحركات الجديدة الصعبة مع نفس الفتاة الحسناء التي رقصتُ معها أفضل رقصاتي من قبل، كانت تدير وجهها و تزفر و تحاول جاهدة ألا ترسم علامات الضيق على ملامحها، لكنها قالت لي في غضب مُغلَّف بالهدوء بعد أن فشلتُ أكثر من مرة: "أنت عايز تعمل إيه بالظبط ؟" فشعرت بالحرج الشديد ثم قلت لها معتذرا: "نجربها مرة كمان، و لو ما عرفتش؛ ححاول أتعلمها من جديد".
و بعد مرة أخرى دفعتني برفق بيديها مشيحةً بوجهها عني و هي تقول: "روح عشان تصلَّحها" !
و حينما جربتُ إحدى الحركات الجديدة الصعبة مع نفس الفتاة الحسناء التي رقصتُ معها أفضل رقصاتي من قبل، كانت تدير وجهها و تزفر و تحاول جاهدة ألا ترسم علامات الضيق على ملامحها، لكنها قالت لي في غضب مُغلَّف بالهدوء بعد أن فشلتُ أكثر من مرة: "أنت عايز تعمل إيه بالظبط ؟" فشعرت بالحرج الشديد ثم قلت لها معتذرا: "نجربها مرة كمان، و لو ما عرفتش؛ ححاول أتعلمها من جديد".
و بعد مرة أخرى دفعتني برفق بيديها مشيحةً بوجهها عني و هي تقول: "روح عشان تصلَّحها" !
و حركات التانغو تختلف بين سهلة التنفيذ، و الصعبة التي تحتاج إلى التمرين عليها أكثر من مرة، لكن على أي حال هي رقصة تعتمد على الخطوات -، في معظم الأحيان يتجه الرجل إلى الأمام و السيدة إلى الخلف -، كذلك تعتمد على إبقاء وضعية الوقوف سليمة و المحافظة على انتصاب العامود الفقري، كما توجد حركات يكون فيها دوران و ركلات بالأرجل و قفزات و حمل، و كل هذا يجب أن يكون مُتسقا مع الموسيقى التي يرقص عليها الراقصان.
و الأكثر صعوبة؛ أن الرجل هو الذي يقوم بتحريك المرأة و يجب عليها أن تتبعه و هذا الأمر ليس بالسهل على شريكي الرقص، و لكي يجيد الرجل القيادة قد يحتاج إلى وقت طويل، بينما وظيفة المرأة تكون أكثر سهولة؛ و لهذا في معظم الأوقات تظهر النساء بشكل أفضل من الرجال أثناء الرقص.
و من حركات التانغو الشهيرة؛ نصف القمر Media Luna
و من حركات التانغو الشهيرة؛ نصف القمر Media Luna
و الشطيرة El Sanguchito
و الثمانية الأمامية Front Ocho
و الثمانية الخلفية Back Ocho
و نظرا لعدم نجاحي في المجموعة التي التحقتُ بها وتركي لها مُجدداً؛ أصبحتُ بدون مدرب مرة أخرى، و كان عليّ أن أحاول البحث عن آخر جديد أو أكتفي بالحضور في الحفلات التي كانت تثير إحباطي أكثر؛ نظرا لأن معظم الفتيات - حتى حديثات العهد بالتانغو - يُفضلن الرقص مع شخص مُتمرس، كما إنني شعرت أكثر من مرة بكوني غير مرغوب في وجودي بالمجموعات التي كنتُ ألتحق بها، و لا أعرف إنْ كان هذا الشعور نابعا من حالتي النفسية التي جعلتني أفسر بعض المواقف بشكل سلبي أم لا، لكني قررت الانسحاب منها كلها، و أحاول العثور على مكان جديد أمارس فيه ما تعلمت.
لكني كنت أراه ليس كافيا، و صادفني سوء الحظ في هذا الأمر أيضا؛ فكنت أجد تارة مدربين قد توقفوا عن التدريب و تارة أخرى، آخرين سافروا و آخرين لم أستطع التعامل مع أساليبهم في التدريب، و كنتُ طيلة هذا الوقت ما زلت في تواصل مع المدرب المُتميز الذي كان يُرحب بي على خلاف بعض المدربين الآخرين الذين كانوا لا يرفضون اشتراكي في فصولهم بالأقوال، لكن كانت تصدر منهم أفعالا أشعر من خلالها برفضهم لي - يعني عايزين يطفشوني -.
و فوجئت حينما كنتُ أتجهَّز لفصول جديدة بالإعلان عن حظر التجمعات العامة و ما شابهها نتيجة جائحة كورونا التي أصابت كل دول العالم؛ لم يكن حظي سيئا في التانغو فقط، بل أصبح الآن في كل نواحي حياتي؛ بلا عمل منذ مدة، حياة عاطفية فاشلة، و لم يعد هناك تانغو أيضا !
و أظن أن الجميع خلال هذا الوقت قد أصبح في حال نفسية سيئة نتيجة الانعزال و العزوف عن الأنشطة الاجتماعية، حتى حينما عادت المراكز تفتح أبوابها من جديد، لم يعد كثير منهم يتحمس للمشاركة، ربما لأنهم قد اعتادوا على الجلوس دون فعل شيء، أو لأنهم يشعرون بالخوف من انتقال المرض إليهم.
و أظن أن الجميع خلال هذا الوقت قد أصبح في حال نفسية سيئة نتيجة الانعزال و العزوف عن الأنشطة الاجتماعية، حتى حينما عادت المراكز تفتح أبوابها من جديد، لم يعد كثير منهم يتحمس للمشاركة، ربما لأنهم قد اعتادوا على الجلوس دون فعل شيء، أو لأنهم يشعرون بالخوف من انتقال المرض إليهم.
وكمُحاولة مني للتدرُّب على شيء جديد؛ التحقتُ بورشة تمثيل؛ نظرا لامتلاكي تجربة واحدة في التمثيل منذ عدة سنوات في إعلان تجاريّ، لم تتم مشاهدته إلا بواسطة قليل من الناس، على الرُغم من كوني تلقيتُ إشادات حول أدائي التمثيلي، و كانت النتيجة الوحيدة لهذه الورشة؛ تسجيلاً لي و أنا أقوم بأداء ارتجاليّ كامل دون تجهيز و باللغة الإنكليزية، و كان هذا الأمر يُعد خيالا علميا فيما مضى، و لقد قمتُ بعرض هذا التسجيل على البعض الذين أشادوا به كذلك، لكني كنتُ أعلم بأن الطريق لاحتراف التمثيل مُستحيل كذلك و يُضاف للمُستحيلات التي أسعى إليها و أتمسَّك بها في حياتي.
و بعد أن انتهتْ؛ و نظرا لأن الحماس قد غلبني؛ قمتُ بالاشتراك في ورشة أخرى، ثم تليتها بورشة في التصوير، و كان الأمر على قدر كبير من السوء؛ و عرفتُ بعد انتهائهما لماذا يقول كثير من المُبدعين الذين لم يحصلوا على فُرص حقيقية بأن الوسط الفني سيء و يُحابي البعض دون البعض؛ كان الاهتمام ينصب على أناس بأعينهم، بينما الآخرين لا يتم الالتفات و لا الاهتمام بما يقولونه أو يبذلونه، و كان هذا في ورش غير مُخصصة للمُحترفين؛ فما بالكم بمَنْ يحاول أن يصل إلى درجة الاحتراف و يحصل على فُرصة حقيقية ؟! واقع الأمر أن هاتين المجموعتين قد جعلتاني أكره التواصل الاجتماعي مع البشر عموما و ليس مجرد كراهية احتراف الفن فقط !
و لقد وفقني الله أخيرا في وظيفة مُحترمة بعد كم الإحباطات المُتتالية التي عانيتُ منها تباعا؛ و هذا قد أثر على حالتي النفسية بشكل أكثر إيجابية، و جعلني أعود إلى التواصل الاجتماعي من جديد؛ ففكرتُ أن أعود إلى التانغو؛ و كان أول ما فكرت فيه؛ هو المدرب المثالي الذي رحب بي مرة أخرى، و لا أعلم حتى هذه اللحظة لماذا لم يشعر بالضجر مني رغم فشلي معه في مرات كثيرة، و كانت هي حصة واحدة فقط، ثم اعتذرتُ إليه بأنني لم أشعر بالحماس؛ فقد تكررت الأشياء ثانية؛ مُتدربين مُحترفين تتهافتُ عليهم المُتدربات، وعزوف عني؛ كوني الوحيد في المجموعة صاحب المستوى المُتدني !
هناك الكثير من الناس يظنون بأن مَنْ يرقصون هم السُعداء فقط، لكن في الواقع إن السُعداء لا يرقصون أبدا؛ ففي تعاملاتي مع كافة الأشخاص الذين يرقصون، أجد كلا منهم يفتقد شيئا في حياته، و يسعى لأن يقوم بتعويض هذا الشيء عن طريق آخر، و التانغو قد أعطاني في كثير من الأحيان قَدْرا ً يسيرا ًمن السعادة، أزال عني هموما و آلاما و إحباطات و ربما جعلني أعيش قصة حب مع كل رقصة جميلة حتى لو كان هذا لدقائق معدودات و بداخلي أنا فقط !
و أنا لا أستطيع الرقص مع فتاة أو سيدة أشعر أنها لا ترغب في فعل ذلك معي أو أراها أكثر سعادةً أثناء رقصها مع شخص آخر، و عندما ترقص معي، تكون ملامحها متجهمة أو تزفر في ضيق بين الوقت و الآخر، و قيلت لي بعض النصائح مثل أنني يجب ألا أُركز على هذه الأمور و أن أحاول التركيز فقط على الرقص، لكني لم أستطع ذلك؛ فالرقص بالنسبة إليّ إحساس - كما ذكرتُ سابقا - قبل أن يكون مجرد حركات تُؤدَّى !
و على الرُغم من أن حياتي قد تحسنت كثيرا عن الفترات السابقة، لكني بدأتُ أشعر بكوني أكره التواصل مُجددا بوجه عام، و برغبتي في رقص التانغو بوجه خاص، لكن على الرُغم من ذلك أخبرتُ المدرب المُتميز برغبتي في تعلُّم الحركات الأساسية فقط دون شريك، لكنه رفض ذلك بأسلوب لبق و مُهذَّب، و بالطبع لم أستطع أن ألومه على ذلك؛ فهو يمتلك الحق في رفضي بعد كل ما رآه مني.
و حينما كنتُ أسترجع الكثير من المواقف و الأحداث التي مررتُ بها في حياتي؛ وجدتُ أنني دوما أسعى إلى ما يستحيل عليّ أن أُتقِنه، و أتمسَّك بما يستحيل عليّ أن أملِكه !
كنتُ أشاهد رقصات تعليمية عبر شاشة حاسوبي، و بدأت أشعر بالحزن كوني وحيدا بلا شريكة؛ فأوقفت العرض، ثم أخذت أبحث حولي عن أي شيء يحمل تاء التأنيث في آخره، وجدتُ مقشة فابتسمت في هدوء، ثم قلبتها رأسا على عقب، كان شعرها غير منتظم و مُتسخ بالتراب و بساق واحدة، لكنها كانت كل ما أملكه !
أدرتُ عرض الرقصة من جديد، و التَفتُّ إلى المقشة و أنا أقول لها: "جاهزة يا لواحظ ؟"، ثم اختفت الابتسامة من على وجهي، و تجمدتُ للحظة ثم قلت: "الظاهر إني بدأت أخرف !"
عدتُ إلى لواحظ من جديد و أنا أشعر هذه المرة بأنني أُمسك بين يديّ امرأة تُمثل الحياة بما فيها من نعيم و شقاء و رحمة و قسوة و سعادة و آلام، أرى نفسي أضمها إليّ و أهيم معها في نفس العالم الذي أحيا فيه و ليس في عالم آخر أكثر سعادة كما كنت أرغب، ترتسم على وجهي أحيانا علامات فرح من تذكُّر ما فات، و علامات حزن من ترقُّب ما يحدث و ما سيأتي بعده.
المراجع:-
- http://www.verytangostore.com/tango-history.html
- http://www.history-of-tango.com
- https://www.elitedancestudio.net/blogs/different-types-of-tango
- https://www.britannica.com/art/tango-dance
- https://www.tanguito.co.uk/tango-culture/discover-tango/know-your-tango
- https://www.youtube.com/watch?v=zv9LD6Y9epU&feature=emb_logo
- https://www.youtube.com/watch?v=zv9LD6Y9epU&feature=emb_logo
- https://www.youtube.com/watch?v=cqfyhDeuX0w
- https://www.youtube.com/watch?v=J66hxKEoEJ8
- https://www.butterfield.com/blog/2016/06/10/brief-history-tango
- http://www.dancelovers.com/tango_history.html
- https://en.wikipedia.org/wiki/Tango
- http://www.dancefacts.net/tango/history-of-tango
- https://eferrit.com/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%88-%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%9F/
- http://www.dotmsr.com/news/204/704477/%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89-8-%D8%A3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B9-%D9%84%D8%B1%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%86%D8%AC%D9%88
- https://www.mobtada.com/details/892576
- https://www.skynewsarabia.com/varieties/942079-%D8%B1%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%86%D8%BA%D9%88-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%94%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%A8%D9%87
- https://www.albawabhnews.com/261157
- http://www.saqya.com/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%86%D8%BA%D9%88
- http://www.syr-res.com/subcat/135.html
- https://www.tejastango.com/tango_styles.html