يظن كثير من الناس خطأً بأن اللغة المصرية القديمة، يُطلَق عليها اسم اللغة الهيروغليفية، و هذا خطأ كبير؛ حيث إن هذه الكلمة تُطلَق على نوع من الخطوط التي كُتِبَت بها اللغة المصرية القديمة، و هو واحد من أربعة خطوط، كما سآتي إلى ذكره لاحقا...
اللغة المصرية القديمة، كان يُطلَق عليها اسم "را إن كيمت"، و تعني حرفيا لغة الأرض السوداء؛ و مصطلح الأرض السوداء يُطلَق على مصر نظرا لخصوبة تربتها، أما الاسم الذي يُعَد أفضل من حيث المقصود فهو "اللسان المصري".
و هذه اللغة من مجموعة اللغات الأفريقية الأسيوية _ أو يُطلَق عليها أفرو أسيوية - المنقرضة، صحيح لم يعد أحد يتحدث بها - حتى الآن -، لكنها محفوظة في النصوص و على جدران المعابد و بعض الأثريات.
و أول خط استخدمه المصريون لكتابة لغتهم، أطلقوا عليه اسم "مدو نتر"، والتي تعني "النقش المقدس"، و التي ترجمها اليونانيون - الإغريق - باسمها المعروف حتى اليوم - مع الأسف الشديد - "الهيروغليفية"، و التي لها نفس المعنى...
و النقش المقدس أو مدو نتر أو الخط الهيروغليفي - كما يتضح من اسمه - مستخدم في الكتابة على جدران الأماكن التي تحمل قدسية مثل المعابد و المقابر، و قد تطورت على مدار ثلاثة أزمنة مختلفة، تمثلت فيها المراحل التي تغيرت فيها اللغة: -
* العصر القديم: الذي بدأت فيه اللغة المصرية القديمة، و كان يحتوي على 400 نقش أو علامة.
* العصر الوسيط: الذي وصلت فيه اللغة إلى قمة تطورها، و زادت فيه النقوش أو العلامات بمقدار 300؛ كي تصبح 700 نقش أو علامة.
العصر المتأخر: الذي دخلت فيه كلمات غير مصرية إلى اللغة نتيجة الاحتلال الأجنبي، و وصلت إلى 6400 نقش أو علامة.
و قد تكون كثرة نقوش أو علامات هذه اللغة مرعبة للبعض في البداية - هي مرعبة بالطبع بالنسبة لي -، لكن كثيرا منها ليس منطوقا، بل الغرض منه هو توضيح معنى الكلمة - مثل الرموز التعبيرية التي نستخدمها في كتاباتنا اليوم -، أو لأغراض نحوية أو لتحديد المفرد و المثنى و الجمع، و المذكر و المؤنث، و غيرها من الأغراض، و مع ذلك فهي كثيرة بالطبع...
تميز النقش المقدس أو مدو نتر أو الخط الهيروغليفي، بأنه خط جمالي مرسوم، استمده المصري القديم من الطبيعة حوله؛ فحينما تنظر إلى هذه النقوش ستجد رسومات مصغرة واضحة للبشر و الحيوانات و الطيور و الحشرات و النباتات...
كذلك نطقها مستمد من الطبيعة؛ فحرف "أ" يُرمَز له بطائر العُقاب 𓄿، الذي يُصدِر نفس صوت الحرف، و حرف إ يُرمَز له بورقة نبات الخوص 𓇋، التي تُصدِر نفس الصوت حينما تتحرك مع الهواء، و غيرها الكثير...
و قد انقسم هذا النقش إلى ثلاث مجموعات: -
* المجموعة الأولى: نقوش أحادية الصوت، هي حرف واحد، له نطق حرف واحد فقط، كما هو الحال اليوم مع اللغات الحية، و من أمثلتها؛ 𓂝 ذراع، و يُنطَق "ع"، 𓅱 فرخ السمان، و يُنطَق "و".
* المجموعة الثانية: نقوش ثنائية الصوت، هي حرف واحد، لكن لها نطق حرفين معا. - سآتي على ذكرها لاحقا حينما أبدأ في استذكارها -
* المجموعة الثالثة: نقوش ثلاثية الصوت، هي حرف واحد، لكن لها نطق ثلاثة حروف معا. - راجع الملحوظة السابقة -.
و أتجه بحديثي إلى نوع آخر من الخطوط، و هو الخط الكهنوتي، أو ما يُعرَف باسم الهيراطيقي، و هي كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية هيراتيكوس، و أُطلِق عليه هذا الاسم نظرا لأنه كان شائع الاستخدام بين الكهنة في تدوين النصوص الدينية؛ حيث كانوا يحتاجون إلى خط أكثر بساطة و سرعة في كتابته من النقش المقدس الذي هو في الواقع تبسيط له.
و هناك الخط الشعبي أو ما يُعرَف باسم الديموطيقي، و هو مُشتَق من الكلمة اليونانية ديموتيكوس، و هو تبسيط للخط السابق، و أُطلِق عليه هذا الاسم لأنه كان خاصا بالمُكاتبات الشعبية، مثل تسجيل العقود والمراسيم الحكومية.
و يأتي أخيرا الخط القبطي، و هو مشتق من الكلمة اليونانية إيجوبتس التي تعني مصري، و هو الاسم الذي اشتُقَ منه الاسم المعروف لمصر في اللغات اللاتينية حتى اليوم Egypt.
و قد ظهر هذا الخط بعد دخول الإغريق إلى مصر؛ حيث إن الكتابة بالخطوط السابقة كانت صعبة عليهم، كما رأى بعض رجال الدين أن استخدام الخطوط القديمة نوع من التجديف أو الكفر، لكنهم استعانوا ببعض الرموز من الخط الشعبي لعدم وجود مقابل لها في اللغة اليونانية.
و هذا الأمر يُذكِّرني باللغة التركية التي كانت تستخدم الأبجدية العربية في الكتابة، لكنها استبدلتها بالحروف اللاتينية - مع الأسف الشديد -.
و استكمالا للأسف الذي أشعر به؛ فإن أفضل الكتابات و المراجع المستخدمة في اللغة المصرية القديمة و حضارتها، مكتوبة بلغات أجنبية - الإنكليزية على وجه الخصوص -، مع أن منطوق حروف اللغة المصرية القديمة يتناسب مع منطوق الحروف العربية أكثر من غيرها.
و إذا تحدثت عن المقارنة بين الخطوط و بعضها؛ فشخصيا أُفضِّل النقش المقدس أو مدو نتر أو الخط الهيروغليفي؛ لما فيه من جماليات في الشكل و الصورة بكافة أشكاله، و طرق كتابته، و التي سأوضحها فيما يلي: -
* النقش اليدوي: يُكتَب بخط اليد العادي على أوراق البردي و ما شابهها، و هو مُبسَط و مترابط و أكثر سرعة في كتابته، و أصغر حجما بالطبع.
* النقش البارز: يُنحَت بشكل بارزعن السطح المكتوب عليه مثل الحجر لكي يخلق تأثيرا ثلاثي الأبعاد، له شكل زُخرُفي.
* النقش الغائر: مثل الخط السابق لكنه يُنحَت بشكل غائر عن السطح المكتوب عليه، و من الممكن أن يكون مُفضَّلا عنه؛ نظرا لأن البارز قد يتعرض للكسر و ضياع معالمه.
* النقش المرسوم: الذي يُعَد متعة بصرية خلابة لما يُستخدَم فيه من جاذبية بصرية تتضمن رسومات بديعة و ألوانا رائعة و ظلالا و أضواءً، لكن يعيبه أنه أكثر تعرضا للتلف من طرق الكتابة الأخرى.
و نحن لا شك - المصريين - أولى بالحديث عن حضارتنا و عن لغتنا القديمة و عن تاريخنا أكثر من غيرنا، لكن هل يأتي هذا اليوم الذي تصبح فيه مراجعنا المصرية و علماؤنا المصريون هم المصدر الأساسي لها ؟! أشك و إن كنت أتمنى، لكني في انتظار أن يهدينا الله و يقودنا إلى تحقيق ذلك؛ فهل من مُجيب ؟!
المراجع التي اعتمدت عليها في مقالي هذا: -
1- الهيروغليفية خطوة بخطوة: موقع تعليمي لتدريس اللغة المصرية القديمة، تابع لمكتبة الإسكندرية.
2- قائمة علامات جاردنر: وضعها عالم المصريات آلان جاردنر Gardiner’s Sign List Of Egyptian Hieroglyphs by Alan Gardiner
3- قاموس فوكنر الوجيز فى اللغة المصرية الوسطى من تأليف ريموند فوكنر A CONCISE DICTIONARY OF MIDDLE EGYPTIAN by Raymond O. Faulkner
4- كتاب كيف تقرأ الهيروغليفية المصرية خطوة بخطوة كيف تعلم نفسك بنفسك من تأليف مارك كولير و بيل مانلي How to Read Egyptian Hieroglyphs: A Step-By-Step Guide to Teach Yourself by Mark Collier and Bill Manley.
5- المصرية الوسطى: مقدمة للغة و الثقافة للهيروغليفية من تأليف جيمس ألين Middle Egyptian An Introduction to the Language and Culture of Hieroglyphs by James P. ALLEN.